بعد حربي غزة ولبنان..
هل تستطيع قطر لعب دور الوسيط؟ زيارة الشيخ تميم إلى طهران تثير التساؤلات
ذهب الشيخ تميم إلى طهران من أجل البحث عن تسوية بينها وبين الإدارة السياسية الجديدة في سوريا، وهو ما أشار إليه في المؤتمر الصحفي المشترك حين قال إنه تحدث مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن أهمية إنجاح العملية السياسية الشاملة في سوريا.

الأتراك يرفضون تسوية مع طهران لا تحفظ مكاسبهم في سوريا.
قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بزيارة إلى إيران مؤخراً، في خطوة أثارت تساؤلات حول أهدافها ومدى جدواها في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي أعقبت حربي غزة ولبنان، وما رافقها من تحولات جيوسياسية كبيرة. الزيارة، التي جاءت كما لو أن العالم لم يشهد تغييرات جذرية، أظهرت أن قطر ما تزال تسعى لعب دور الوسيط في المنطقة، على الرغم من التحديات الجديدة التي تواجهها.
وخلال الزيارة، ناقش الشيخ تميم مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عدداً من القضايا الإقليمية، بما في ذلك الوضع في سوريا وضرورة إنجاح العملية السياسية الشاملة هناك. وأكد أمير قطر في مؤتمر صحفي مشترك أن زيارته تأتي "في وقت تشهد فيه المنطقة تحديات تتطلب التشاور والتنسيق بشأنها"، مشدداً على أهمية "الحوار البناء" كسبيل أمثل لحل النزاعات.
إلا أن مراقبين للشأن الخليجي يرون أن الدوحة لم تأخذ في الاعتبار التغييرات الكبيرة التي أحدثتها حرب 2023-2024 في غزة ولبنان، والتي غيرت موازين القوى في المنطقة وأعادت تشكيل أولويات الأطراف الفاعلة. وأشاروا إلى أن ما تسعى قطر لتحقيقه من تسويات يفوق قدراتها الحالية، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.
فإيران، التي تواجه استهدافاً أميركياً وإسرائيلياً متصاعداً، تجد نفسها في مرحلة جديدة تتجاوز العقوبات الاقتصادية إلى احتمال المواجهة العسكرية المباشرة. وقد جربت إسرائيل بالفعل استهداف مواقع إيرانية داخل إيران وسوريا، مما أظهر تفوقها العسكري والاستخباراتي.
وفي هذا السياق، لا يبدو أن الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب ترغب في بناء علاقات مباشرة مع طهران، بل إنها تواصل سياسة "الضغوط القصوى" وتدعم أي إجراء إسرائيلي ضد إيران.
وبعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أكد نتنياهو أن إسرائيل وجهت "ضربة قوية" لإيران منذ بدء الحرب في غزة، وأنها ستواصل مهمتها بدعم من واشنطن.
وهذه التصريحات تطرح تساؤلات حول مدى فعالية زيارة الشيخ تميم إلى طهران، وهل هي جزء من وساطة لنقل مطالب أميركية أم مجرد استمرار في سياسة قطر التي قد تخترق الخطوط الحمراء لترامب.
وعلى الصعيد السوري، يبدو أن قطر تسعى لتسوية بين إيران والإدارة السياسية الجديدة في سوريا، إلا أن هذه التسوية قد تواجه معارضة من تركيا، التي تريد نفوذاً إستراتيجياً في سوريا يتجاوز مجرد إسقاط نظام الأسد. فتركيا تسعى لقواعد عسكرية ونفوذ اقتصادي وسياسي كبير في سوريا، وهو ما يتناقض مع مصالح إيران التي تسيطر على مؤسسات أمنية وعسكرية هناك.
وفي النهاية، يبدو أن زيارة أمير قطر إلى إيران قد لا تحقق النتائج المرجوة، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والمصالح المتضاربة بين الأطراف الفاعلة. كما أن قطر قد تجد نفسها في موقف صعب مع واشنطن، التي لم تعد تعتمد على الدوحة كوسيط مع حماس أو إيران، مما يضعف من قدرة قطر على لعب دور الوسيط الذي اعتادت عليه في السابق.