مشكلة ندرة المياه..

المياه العابرة للحدود في الوطن العربي: هل تشكل خطرًا أم فرصة للتعاون الإقليمي؟

النزاعات السياسية بين الدول العربية ودول غير عربية على الأنهار المشتركة أو الحق في استخدام الموارد المائية مثل النزاع على منابع نهري (دجلة والفرات) في تركيا، و(النيل وجوبا وشبيلي) في إثيوبيا مما جعل (85%) من المياه السطحية خاضعة لسيطرة تركيا وإثيوبيا، واستخدامها المياه أداة سياسية واقتصادية ضد مصالح الدول العربية

أزمة المياه في منطقة الشرق الأوسط - مجلة الشرق الأوسط الديمقراطي

د. طارق ياسين شعبان
أكاديمي وباحث لدى مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ومجلة بريم، أستاذ متخصص في الجغرافيا الطبيعية، يمتلك خبرة واسعة في مجاله الأكاديمي، حيث يُعد من أبرز الباحثين في قضايا البيئة والتغيرات المناخية وتأثيرها على النظم الطبيعية.

المستخلص:

يعاني الوطن العربي من أزمة مياه وقد أسهم العامل المناخي في محدودية المياه، فالمنطقة العربية تقع ضمن منطقة الصحراوية الجافة وشبة الجافة. إذ يؤدي انخفاض وتذبذب معدلات سقوط الأمطار وارتفاع معدلات التبخر وتكرار موجات الجفاف إلى انخفاض القدرة الاعتمادية على الموارد المائية، والمنطقة العربية من أكثر المناطق فقرًا، إذ لا يتجوز المعدل السنوي لنصيب الفرد من المياة (1000م3/ بالسنة) مقابل اكثر من (7000م3/ بالسنة) على مستوى العالم، وحصتها من المياه السطحية الجارية في العالم (0,07%) ومتوسط نصيب الهكتار منها مقارنة مع العالم (1,15%) ويضاف إلى هذه الأوضاع النمو السكاني السريع الذي ترتب عليه تناقص حاد في نصيب الفرد من موارد المياه المتجددة. 

بالتالي الوطن العربي بيواجه أزمة مائية مما يستوجب وضع استراتيجية مائية من قبل المؤسسات المختصة في الوطن العربي لتحديد السياسات والاجراءات لتنمية الموارد المائية.وأختتم هذا البحث بعدد من التوصيات:

الكلمات المفتاحية أزمة المياه، الوطن العربي.

 

 

Abstract

The Arab world is facing a water crisis, and climatic factors have contributed to the limited availability of water. The region is located within the arid and semi-arid desert zones, where reduced and fluctuating rainfall, high evaporation rates, and repeated droughts lead to a diminished reliance on water resources. The Arab region is one of the most water-scarce areas in the world, with the annual per capita water share not exceeding (1000 m³/year), compared to over (7000 m³/year) globally. Its share of global surface water is just (0.07%), and the average share per hectare is (1.15%) compared to the global average. Additionally, rapid population growth has resulted in a sharp decline in per capita access to renewable water resources.

Thus, the Arab world is facing a water crisis, necessitating the development of a water strategy by relevant institutions to determine policies and actions for the sustainable development of water resources. The paper concludes with a set of recommendations.

Keywords: Water crisis, Arab world.

 

 

 

المقدمة:-

تُعدُّ مشكلة ندرة المياه من أبرز التحديات التي تواجه البلدان العربية في العصر الحالي، حيث تعاني العديد من الدول العربية من قلة الموارد المائية، فمساحة المنطقة العربية تمثل (10%) من مساحة العالم، وسكانه(5%) من مجموع سكان العالم، وموارده المائية أقل من (0,5%) من موارد العالم، مما جعل نصيب الفرد أقل من المعدلات في العالم الذي يبلغ (1000م3 بالسنة) في حين يصل نصيب الفرد في دول الوفرة. المائية (7000م3 بالسنة ).

إن الموارد المائية في البلدان العربية لا تكفي لتلبية الاحتياجات السكانية والزراعية والصناعية والخدمية، ويُعدُّ الوطن العربي من أكثر المناطق في العالم التي تعاني من الشح المائي، مما يعكس تأثيرات سلبية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إن الوضع المائي في الوطن العربي يتأثر بعدة عوامل أبرزها المناخ الصحراوي، وزيادة عدد السكان، وسوء إدارة الموارد المائية، والتغيرات المناخية.

لذلك يصبح ضرورة ملحة لتسليط الضوء على واقع المياه، والتحديات المرتبطة بها، والسبل الممكنة للتعامل مع الأزمة من خلال استراتيجيات مستدامة ومبتكرة .

 

 

 

 

 

 

 

حدود البحث

يقع الوطن العربي بين دائري عرض 2 ْ جنوبًا و37,5 ْ شمالًا، وبين خطي طول 60 ْ شرقًا و 17 ْ غربًا ما عدا دولة جزر القمر التي تقع عد دائرة عرض 12 ْ.

يحد الوطن العربي من الشمال البحر المتوسط وجبال زاجروس وجبال طوروس، ومن الجنوب المحيط الهندي - بحر العرب - الصحراء الكبرى. ومن الشرق مرتفعات زاجروس والخليج العربي وخليج عمان ومن الغرب المحيط الأطلسي.

- الموقع الجغرافي

يقع الوطن العربي عند ملتقى ثلاث قارات، هي: آسيا، وأفريقيا، وأوربا. ويسيطر على ثلاثة أحواض مائية: البحر الأحمر، والخليج العربي، والبحر الابيض المتوسط، ويسيطر على ثلاثة مضائق مهمة، هي: مضيق جبل طارق، ومضيق هرمز، ومضيق باب المندب.

وتبلغ مساحة العالم العربي 13487814 كم مربع، ويصل طول سواحلها نحو 22828 كم. ويصل عدد سكانها 430753333 نسمة.

مشكلة البحث:-

تكمن مشكلة البحث بوجود اختلال التوازن المائي بين زيادة الطلب. ومحدودية المياه المرتبطة بمناخ جاف وشبة جاف يتسم بقلة الأمطار و ارتفاع درجات الحرارة.

كما أن محدودية المياه في المنطقة العربية بسبب أن أكثر من 60 % من المياه تنبع من دول غير عربية، كما أن زيادة الطلب على المياه للاستخدامات المختلفة لارتفاع وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية قد أدَّى إلى بوادر أزمة مائية لاسيما والمتوقع أن يزداد الطلب على المياه للاستخدامات المختلفة في المستقبل القريب.

 

أهداف البحث

1_ عرض الوضع المائي في الدول العربية من توزيع الموارد المائية واحتياجات الدول العربية المختلفة من المياه.

2_ معرفة أسباب أزمة المياه في المنطقة العربية من زيادة الطلب على المياه، والتغير المناخي، والنزاعات السياسية، والإدارة غير الفعالة للموارد.

3_ عرض تأثيرات أزامة المياه على البيئة والاقتصاد مثل تدهور البيئة الزراعية أو نقص المياه الصالحة للشرب وتأثير ذلك على التنمية الاقتصادية..

4_ عرض مقارنة الوضع المائي في الوطن العربي مع مناطق أخرى في العالم بهدف فهم مدى تفرد الأزمة في المنطقة.

- منهجية البحث:

اعتمد البحث في ازمة المياه على منهجين الوصفي والتحليلي.

- أهمية البحث:-

تُعدُّ المياه مصدر الحياة لكل أشكال الحياة على الأرض بل هي ضرورة قصوى لجميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، ملكة، فالمياه المورد الوحيد الذي بدونه لا يمكن التقدم في ميادين الحياة المختلفة، وبانعدامه تنعدم الحياة، إذ وصفه الله سبحانه وتعالى بارتباط الحياة به، وجعلنا من الماء كل شيء حي، ومن قدرته جعلها من الموارد القابلة للتجديد وبشكل مستمر ما دامت الحياة على الأرض.

مباحث البحث:-

تناول هذا البحث أزمة المياه في الوطن العربي، الواقع والتحديات. واحتوى على ثلاثة مباحث، تناول المبحث الأول واقع المياه في الوطن العربي، وتناول المبحث الثاني استهلاك المياه في مختلف القطاعات في الوطن العربي والمبحث الثالث أسباب أزمة المياه في المنطقة العربية، والنظرة المستقبلية لمواجهة تحديات أزمة المياه.

المبحث الأول

واقع المياه في الوطن العربي

تُعدُّ المياه أحد أهم الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها الإنسان في مختلف جوانب حياته، ويواجه الوطن العربي تحديات كبيرة فيما يتعلق بالموارد المائية بسبب موقعه الجغرافي الذي يتسم بالارتفاع في درجات الحرارة. وقلة الأمطار، هذا ما جعل المياه مصدرًا غنيًا ومحدودًا، وتختلف أنواع المياه في المنطقة العربية بشكل كبير، فمنها المياه السطحية والمياه الجوفية والمياه المحلاة كما أن توزيع هذه الموارد ليس متساويًا بين الدول، وهو ما يؤدي إلى وجود تفاوت كبير في وفرة المياه بين شمال المنطقة وجنوبها.

وفيما يلي استعراض أنواع المياه المختلفة في المنطقة العربية:

أولًا: المياه التقليدية

1_ مياه الأمطار: تمتاز الأمطار في المنطقة العربية بقلة كميتها السنوية واختلاف مواسم هطولها من منطقة إلى أخرى، إذ تصل في المناطق الصحراوية إلى أقل من (25 ملم)، وفي مناطق المناخ المداري في فصل الصيف تصل إلى (10ملم) بينما على سفوح الجبال الساحلية تهطل الأمطار الربيعية على شكل عواصف مطرية مدتها بضعة دقائق وأحيانًا أكثر تصل إلى (1000 ملم/ ساعة) أما في فصل الشتاء فتكون كميتها محدودة.

إن هطول الأمطار في منطقة العربية يصل إلى (2,1 %) من مجموع دول العالم أي المعدل (2,282 مليار م3/ السنة)، والفاقد من التبخر (8,0%) وله تأثير عكسي على الزراعة المطرية.

وثلث مساحة المنطقة العربية تحصل على (1000 ملم/ بالسنة) من تساقط مطري تقدر كميته (327 مليار م3/ بالسنة)، ويحصل (15%) من مجموع مساحة المنطقة العربية معدلات مطرية بين (1000 _ 3000 ملم/ بالسنة) يصل حجمها إلى (440 مليار م3/ السنة)، وبنسبة (1,5%)، والباقي من المساحة تحصل أمطارًا تزيد عن (300 ملم/ بالسنة) ويبلغ إجمالي الأمطار فيها (1515 مليار م3/ بالسنة) أي ثلثي المياه المطرية.

ومن خلال جدول رقم (1) لتوزيع الأمطار في المنطقة العربية يتضح أن المنطقة الوسطى لها النصيب الأكبر مقابل منطقة المشرق ذات النصيب الأقل، والباقي تهدر رغم جهود الحكومات العربية لزيادة استعمالات أكبر منها للقطاع الزراعي من خلال بناء السدود وقنوات الري وحفر الآبار.

جدول رقم(1)

نصيب المناطق البينية في الدول العربية من الأمطار السنوية.

المنطقة

الدول العربية

المساحة الإجمالية

ألف هكتار

مليار م3 بالسنة

نصيب المنطقة من الأمطار %

المشرق العربي

الأردن، سوريا، العراق، فلسطين، لبنان

755,4

178

7,8

المغرب العربي

تونس، ليبيا، المغرب، الجزائر، موريتانيا

14,110

588

22,8

المنطقة الوسطى

جيبوتي، السودان، مصر، الصومال

1,406,86

1,305

57,3

شبه الجزيرة العربية

البحرين، الإمارات، قطر، السعودية، الكويت، اليمن، الجنوب العربي

3,114,7

211

9,2

المجموع

 

18,631,56

2,282

100

المصدر: صندوق النقد العربي وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، إيلول/ 2009، ص42 _ 44، محمود الأشرم، اقتصاديات المياه في الوطن العربي والعالم، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط1، 2001، ص43.

2_ المياه السطحية:

يُعدُّ التساقط المصدر الرئيس للمياه السطحية التي يتسرب جزء منها ويصل إلى الطبقة الباطنية؛ ليكوّن المياه الجوفية، فالمياه السطحية تتمثل بالأنهار الجارية في المنطقة العربية، وعددها (50) نهرًا، ومن أهم الأنهار، هي (النيل ودجلة والفرات)، ومنبع هذه الانهار في دول خارج المنطقة العربية، وهي غزيرة الأمطار وبلغ متوسط هطول الأمطار فيها (1400 ملم3 بالسنة)، ومنابع نهر النيل في إثيوبيا(1000 ملم3/ بالسنة)، عند منابع نهري دجلة والفرات في تركيا، كما توجد أنهار صغيرة بمثابة روافد للنيل ودجلة والفرات، كما توجد أنهار صغيرة في لبنان، وسوريا، والأردن، وفلسطين، والعراق، والمغرب، والجزائر، والصومال)، وبلغت حصة المنطقة العربية من إجمالي المياه السطحية الجارية في العالم(0,7 %).

وبلغ متوسط نصيب الهكتار من المياه السطحية في المنطقة العربية (15,1%) مقارنة مع العالم. بينما بلغت إجمالي المياه السطحية المتجددة (296 مليار م3 سنويًا) المتاح منها (191 مليار م3 سنويًا) وثلثي هذه المياه من داخل المنطقة العربية.

ومن خلال جدول رقم (2) يتضح أن الأقاليم العربية تعليم تسهم في مصادر المياه السطحية، فالإقليم الوسط له مساهمة أكبر بنسبة (38,5%) وأقل مساهمة من إقليم الجزيرة العربية بنسبة (4,8%) من الإجمالي الكلي للمياه السطحية في المنطقة العربية، وهناك ثلاث دول عربية تحصل على نسبة (71%) من المياه السطحية في المنطقة العربية، وهي: مصر (34%)، والعراق (26%)، والسودان (11%).

جدول رقم (2)

المياه السطحية على مستوى الأقاليم.

الأقاليم

الدول العربية

المياه السطحية

مليار م3

النسبة المئوية

%

الأوسط

جيبوتي، السودان، مصر، الصومال

89,930

38,5

المشرق العربي

الأردن، سوريا، العراق، فلسطين، لبنان

82,653

3,7

المغرب العربي

تونس، ليبيا، المغرب، الجزائر، موريتانيا

44,396

19,7

شبه الجزيرة العربية

الإمارات، قطر، عمان، السعودية، الكويت، اليمن، الجنوب العربي

8,353

4,8

المجموع

 

295,333

100

المصدر: محمود الأشرم، اقتصاديات المياه في الوطن العربي والعالم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2001، ص142.

 3_ المياه الجوفية:

تُعدُّ المخزون الاستراتيجي للوطن العربي، وتكونت في باطن الأرض قبل (5 _ 40 ألف عام) وتنقسم إلى: مياه جوفية متجددة، ومياه جوفية غير متجددة، وتتواجد في ثلاثة أحواض كبيرة، هي:

أ_ حوض الأرج الشرقي.

ب _ حوض النوبة.

ت _ هي حوض الديس.

وحجم المخزون المائي لهذه الأحواض تتفاوت حسب مساحتها كما توجد أحواض أخرى ذات الأهمية بقدر المتاح للاستعمال منها (15,3 مليار م3) المستغل منها (12 مليار م3 سنويًا)، استعمالاتها الدول العربية التي تعالي من شحة المياه.

وبلغت كمية الجوفية المتجددة (7,734 مليار م3 بالسنة)، وحجم التغذية السنوية لها (42 مليار م3) مصدرها تسرب مياه الأنهار في مناطق تواجدها وانتشار مساحتها (10%) من مساحة المنطقة العربية، وما يستغل منها (26 مليار م3 سنويًا) من قبل الدول العربية، وتتعرض المياه الجوفية المتجددة إلى عمليات سحب واستنزاف معدلات تتجاوز تجديدها لإرواء مشاريع الزراعية. مما يسبب اعلى انخفاض مستواها وتدهور نوعيتها.

ثانيا: المياه غير التقليدية

مع ازدياد الطلب على المياه العذبة، وقلة الموارد الطبيعية للماء العذب. كان من الطبيعي أن تتجه الأنظار إلى عمليات معالجة المياه، وهي كالآتي:

1_ تحلية مياه البحر:

تعني التحلية إزالة الأملاح من مياه البحر، للتمكن من الحصول على عذوبة مناسبة للاستخدام البشري، تعتد دول الخليج العربي وبعض الدول العربية الأخرى على تقنية، تحلية المياه، وتم إنشاء محطات تحلية كبيرة توفر (50 _ 90) من المياه، إلى جانب تلبية احتياجات الزراعة والصناعة. وقد ساعد إنشاء محطات الانخفاض النسبي لتكاليف إنتاج المياه المحلاة وارتفاع قيمة نقل المياه في حالة بُعد المسافة.

بلغت إجمالي الطاقة الإنتاجية (11,5 مليون م3 في اليوم) أي ما يقارب (60%) من طاقة الإنتاج العالمي للمياه المحلاة، وبلغ الإنتاج السنوي للمياه المحلاة (23 مليار م3) في الدول العربية، وهناك تفاوت في استعمالاتها في المنطقة العربية.

وبلغت عدد محطات التحلية في المنطقة العربية 2200 محطة تحلية، وتتوزع على مختلف الدول العربية، وتحتل المرتبة الأولى السعودية بأكبر محطة تحلية في العالم إذ توجد فيها 22 محطة تنتج 30% من إجمالي مياه التحلية في العالم تليها الإمارات ثم الكويت.

2_ المياه العادمة المعالجة:

انتشرت في معظم الدول العربية تقنية معالجة المياه العادمة، مياه الصرف الزراعي والصحي، وكانت معالجة الصرف الزراعي محدودة واقتصارها على مصر وسوريا، إذ تمّ منذ فترة طويلة تطوير إعادة استعمال هذه المصادر في مصر حيث ثم إعادة استعمالها إلى(3,8 مليار م3 بالسنة)، ووصل استعمالها أربع مرات، فالظروف الطبيعية ساعدت على تحقيقها وبسبب الحجم الكبير للمياه المستخدمة في الري وافتقارها لشبكات الصرف الزراعي لم تلجَ الدول العربية إلى اعادة استعمال مياه الصرف الزراعي بشكل واسع.

اما معالجة مياه الصرف الصحي كان لتوفر شبكات الصرف الصحي في المناطق الحضرية في الدول العربية دورٌ مهمٌ في معالجة هذه المياه؛ لاستعمالها في مختلف الاستخدامات وفي مقدمتها الري، لأهميتها في الزراعة لما تحتوي من مواد عضوية مهمة ولتحسين خواص التربة لاحتوائها من المياه نسبه (15%) ومواد صلبة وذائبة بنسبة (1%) ويشكل هدرًا كبيرًا إذا لم يتم استعمالها في الصناعة المياه للتبريد، وانشاء بحيرات صناعية، ومع أزمة المياه في المنطقة العربية سعت الدول العربية لمعالجة مياه الصرف الصحي بوصفها خيارًا لا بد منه، لاسيما أن (70 _ 80%) من مياه الصرف الصحي تذهب الى المجاري مما يتطلب الاستفادة منها بشكل صحيح وتقليل الاعتماد على المياه المتجددة.

 

 

المبحث الثاني: استخدام المياه في مختلف القطاعات في الوطن العربي

يُعدُّ استخدام المياه في القطاعات المختلفة أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الاستدامة والتنمية، تستخدم المياه في العديد من القطاعات الحيوية مثل الزراعة التي تمثل أكبر مستهلك للمياه في الدول العربية فضلًا عن الاستخدامات الصناعية والخدمات المنزلية، وكل قطاع له احتياجاته الخاصة مما يتطلب إدارة فعالة لهذه الموارد لضمان تلبية احتياجات الأجيال المستقبلية.

ستتطرق إلى هذه الاستخدامات.

1_ الاستخدام الزراعي:

بلغت مساحة الأراضي القابلة للزراعة (197 مليون هكتار)، وتستغل منها في الإنتاج الزراعي (70,8 مليون هكتار) فقط، وبنسبة (36,5%) من إجمالي مساحة الأراضي القابلة للزراعة، وحوالي (5%) من مساحة المنطقة العربية بسبب قلة الأمطار ومحدودية المياه المطلوبة لاستغلال الأراضي الزراعية وانتشار الجفاف.

إن أكثر أنواع الزراعة المنتشرة في الوطن العربي هي الزراعة المطرية، إذ تشكل (57%) التي تزرع المحاصيل الموسمية مقابل (15%) للزراعة المروية. بلغت إجمالي المياه السطحية المتاحة في الوطن العربي (296 مليار م3 سنويًا)، وتحصل منها الزراعة على (89%) والمستثمر لأغراض الري (201 مليار م3) وبلغ إجمالي احتياج لأغراض الزراعة (354 ملیار م3)، أي بنسبة عجز (20%) ويتم تغطيها من المياه الجوفية ومياه الصرف المعالجة.

وبلغت المياه السطحية والجوفية غير المستغلة (176 مليار م3/ سنويًا) لضعف كفاءة الري، وتنتشر طرق الري السطحي التقليدي لتشمل (75%) من إجمالي المروية أما نظام الري بالرش فتصل نسبته (15%) والري بالتنقيط (10%) وتتفاوت نسب استخدام الري بالرش والتنقيط في الدول العربية بما يتناسب وخصوصية كل بلد عربي، وتتطلب عملية ترشيد المياه في الزراعة إدخال نظم الري المتطورة، فالمتوقع أزمة مائية ستواجه هذا القطاع.

2_ الاستخدام الصناعي:

تُعدُّ المياه من أهم الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها جميع الأنشطة الصناعية، وتُعدُّ الصناعة من القطاعات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه سواء في عمليات التصنيع أو التبريد أو العمليات الكيميائية المختلفة.

 وتواجه البلدان العربية تحديات كبيرة في إدارة المياه بسبب ندرتها ويرتبط استخدام المياه على تطور وتقدم الدول العربية في هذا القطاع، وبلغ استخدام المياه في هذا القطاع (102 مليار م3) وبنسبة (5%) من إجمالي الاستخدام الكلي للمياه، ويتوقف استهلاك المياه في هذا القطاع على نوعية الصناعة.

فإنتاج طن من النفط إلى سطح الأرض يحتاج إلى (12 طن) من المياه، وكلغم من إنتاج الورق يحتاج إلى (100 لتر) من المياه.

إن القطاع الصناعي يستهلك كميات ضخمة من المياه ما يزيد من تفاقم المشكلة خاصة في ظل محدودية موارد المياه العذبة، ويواجه هذا القطاع تحديات كبيرة تتعلق بكفاءة استخدام المياه في العمليات الإنتاجية فضلًا عن مشكلات الصرف الصحي والتلوث الناتج عن بعض الصناعات.

3_ الاستخدام المنزلي.

تُعدُّ استخدام المياه المنزلية من الأمور الحيوية في حياة الإنسان خاصة في الوطن العربية حيث تعاني العديد من الدول من شح المياه، وهناك تفاوت في استخدام مياه الشرب يومي بين الدول العربية، مثلًا يصل في الكويت إلى (592 لتر)، وفي بعض دول يصل إلى (90 لتر)، وهناك معايير عالمية معروفة للحد الأدنى من نصيب الفرد من المياه هو (1000 م3 بالسنة)، وإن قل عن هذه الكمية يعني أن البلد يعاني من ندرة وأزمة مائية.

وبلغت نسبة طلب القطاع المنزلي (6%) من إجمالي المياه السطحية والجوفية المتجددة والبالغة (348 مليار م3) على مستوى العالم.

ان استخدامات المياه المنزلية تتراوح بين الشرب، والاستحمام، والطهي، والغسيل، وهي أساسية لضمان صحة الأفراد ورفاهيتهم إلا أن التزايد المستمر في عدد السكان وارتفاع معدلات الاستهلاك يضع ضغوطًا كبيرة على مصادر المياه المحدودة في المنطقة العربية.

لذا أصبح من الضروري ترشيد استخدام المياه وعدم الإسراف وتجديد شبكات التوزيع والنقل، ووضع استراتيجيات لإدارة المياه بشكل مستدام، وتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على هذه الموارد الثمينة.

4_ الاستخدام في قطاع الخدمات:

إن استخدام المياه في قطاع الخدمات في الوطن العربي يشمل عدة مجالات حيوية تتطلب استخدامًا مستمرًا وفعالًا للمياه، ويُعدُّ قطاع الخدمات أحد القطاعات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه لأغراض متعددة في المرافق العامة والصرف الصحي والسياحة والفنادق والتعليم والصحة والمساجد، وبلغت مجموع الطلب على المياه في قطاع الخدمات (12,5 مليار م3) بنسبة (8%) من الكمية المستغلة من المياه، تتطلب المدن والمجتمعات الحديثة المياه النظيفة للحفاظ على الصحة العامة والبيئة في دول الوطن العربي مما يشكل ضغطًا كبيرًا على هذا القطاع بسبب النمو السكان والتحضر السريع.

 

المبحث الثالث: اسباب أزمة المياه في الوطن العربي والرؤية المستقبلية

أولًا: أسباب أزمة المياه في الوطن العربي

1_ زيادة الاحتياجات المائية:-

وضعت توقعات زيادة الطلب على المياه (جدول رقم 3) لكافة الاستخدامات التي ستصل إلى (436 مليار م3) عام 2030 مقابل (409 مليار م3) عام 2020، وسيحتل الطبع للأغراض الزراعية على (378 مليار م3) عام 2030م، للتوسع في الزراعة المروية وتنشط الصادرات، كما يصل طلب المياه للأغراض الصناعية والمنزلية إلى (58 مليار م3) عام 2030م، وهو ما يشير إلى بروز مشكلة مصيرية ستنعكس سلبًا على مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي.

حدود رقم (۳)

توقعات الطلب على المياه في الوطن العربي

السنة

القطاع الزراعي

القطاع الصناعي والمنزلي

الإجمالي

2020

369

40

409

2030

378

58

436

المصدر: صندوق النقد العربي وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، أيلول/ 2009، ص186.

2_ زيادة السكان:

الزيادة السريعة في النمو السكاني في الوطن العربي - سيؤدي الى ضغط متزايد على الموارد المائية المحدودة وما يرافقه من تغيرات اقتصادية واجتماعية مستقبلًا إلى زيادة الطلب على المياه، وستتفاقم الأزمة إذ سينخفض نصيب الفرد من المياه فضلًا عن زيادة الطلب على المياه حسب تقديرات البنك الدولي، سيترتب على ذلك مشكلات في البنى الاقتصادية وما يرافقها من مشاكل صحية وبيئية.

3_ الإدارة غير الفعالة للموارد المائية:-

في بعض الدول العربية تعاني سياسات إدارة المياه من ضعف مما يؤدي إلى الهدر والتبذير المتزايد في استهلاك وضياع مياه الشرب في شبكات التوزيع للمياه، تصل إلى (40 _ 60) لردائة نوعية الأنابيب المستعملة وعدم صيانتها، کما أن سوء استخدم المياه في الزراعة جراء اتباع نظم الري التقليدية يؤدي إلى هدر (37,5%) من المياه، مما يؤدي لحرمان ري مساحات جديدة وتوزيعها غير العادل.

4_ الموقع الجغرافي للوطن العربي:

معظم الدول العربية تقع في مناطق جافة وشبة جافة، وتتميز بموارد مائية محدودة بسبب التأثيرات الناجمة عن التغير المناخي، مثل ارتفاع درجات الحرارة وتذبذب سقوط الأمطار وفقدان (85%) من مياه الأمطار جراء التبخر وتعاقب دورات الجفاف على أغلب أراضيه، تتسبب في انخفاض مخزون المياه العذبة، كما أن انخفاض معدل الأمطار في العديد من المناطق العربية أسهم في زيادة _ مناطق التصحر، وزيادة أزمة المياه.

5_ الأزمات السياسية والنزاعات:

النزاعات السياسية بين الدول العربية ودول غير عربية على الأنهار المشتركة أو الحق في استخدام الموارد المائية مثل النزاع على منابع نهري (دجلة والفرات) في تركيا، و(النيل وجوبا وشبيلي) في إثيوبيا مما جعل (85%) من المياه السطحية خاضعة لسيطرة تركيا وإثيوبيا، واستخدامها المياه أداة سياسية واقتصادية ضد مصالح الدول العربية، إذ رفضت تركيا وإثيوبيا التوقيع على أي اتفاقية جديدة تنظم عملية قسمة المياه بشكل عادل وفقًا لأحكام القانون الدولي، وهو ما أسهم في تفاقم أزمة المياه.

6_ قلة الدراسات والمعلومات في موارد المياه:

عدم وجود معلومات دقيقة لموارد المياه في الوطن العربي مثل قياسات دائمة على مجاري الأنهار والأودية الموسمية وافتقارها لمحطات تحديد التبخر والتسرب، مما يتطلب الشبكات المعلوماتية لمعرفة خصائص المياه واستغلالها بشكل أفضل للحفاظ على هذا المورد.

النظرة المستقبلية لمواجهة التحديات في أزمة المياه:

من خلال ما تناول البحث لأزمة المياه في الوطن العربي وتقديرات الاحتياجات المائية في العقود القادمة يتطلب اتخاذ مجموعة من السياسات والإجراءات؛ لإزالة أسباب الأزمة:

1_ وضع استراتيجية مائية من قبل المؤسسات في الوطن العربي؛ لتحديد السياسات والإجراءات، وتأخذ في الحسبان خصوصيات المنطقة العربية واحتياجاتها المستقبلية لتحقيق تنمية مائية.

2_ الاستفادة من التجارب العالمية من خلال الاستفادة من تجارب الدول التي تواجه مشاكل مماثله في إدارة المياه، مثل بعض الدول الصحراوية في أفريقيا وآسيا، وتطبيق هذه التجارب، بما يتناسب مع ظروف المنطقة العربية.

3_ زيادة الاستثمارات في قطاع المياه لتجديد شبكات التوزيع والنقل للحفاظ على المياه من الهدر والتبذير والتلوث.

4_ أهمية التعاون العربي المشترك من خلال تطوير آليات تعاون بين الدول العربية في مجال إدارة الموارد المائية بما في ذلك تبادل المعلومات، وتقنيات التحلية، ومشروعات مشتركة للاستفادة من الأنهار المشتركة مثل (نهر النيل، نهر دجلة والفرات وجادي الأردن) بأفضل شكل ممكن.

5_ أهمية إنشاء القاعدة المعلوماتية للمياه وربطها مع المستجدات والمعلومات حول وفرة المياه ومراقبة جودة المياه وإدارتها؛ لمواجهة مخاطر مثل الفيضانات والجفاف من خلال المراقبة الدقيقة والمتواصلة.

6_ الاستثمار في البحوث والتكنولوجيا من خلال وعم البحث العلمي في مجال تقنيات المياه مثل استخدام تقنيات حديثة وتحليل البيانات لتحسين التخزين والإدارة.

7_ تطوير أنظمة معالجة المياه العادمة لاستخدامها في الزراعة والري والصناعة ومساهمتها في حل جزء كبير من محدودية المياه ممكن أن تكون مصدرًا رئيسًا لمياه الري في المستقبل.

8 _ أهمية نشر التوعية بين المواطنين حول أهمية الحفاظ على المياه من خلال حملات تعليمية ودورات تدريبية تشمل كيفية ترشيد استهلاك المياه في الحياة اليومية.

9_ أهمية تطوير البدائل المتاحة لزيادة الموارد المائية من خلال الاستفادة من تجارب دول الخليج العربي في تنمية وتطوير تحلية المياه في الدول العربية، وتطوير أنظمة المياه الذكية التي تسهم في تقليل الفاقد وزيادة الكفاءة.

10_ ضرورة تطوير القوانين والتشريعات وتشكيل أجهزة رقابية على استخدام المياه الجوفية، ومراقبة حفر الآبار العشوائية، وكميات ضخ مياه منها، وعدم السحب من قبل بعض الدول العربية لسد النقص في المياه وحمايتها من التلوث للحفاظ على هذا المورد للأجيال القادمة.

 

 

 

 

الهوامش

1_ المؤتمر الوزاري العربي للزراعة والمياه، الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي ومصادرها المختلفة ومدى كفايتها لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، القاهرة، 1997م.

2- المنظمة العربية لتنمية الزراعية: المجلة العربية لإدارة مياه الري، الخرطوم، العدد 3 كانون الأول 2000م.

3_ جامعة الدول العربية، والأمانة العامة، صندوق النقد العربي وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، أيلول 2009م.

4_ صلاح الوزان: تنمية الزراعية العربية، الواقع والممكن، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1998م.

5_ محمود الأثرم، اقتصاديات المياه في الوطن العربي والعالم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى 2001م.

6_ محمود مطناوي، إمكانيات ومتطلبات تأثير الهياكل التنظيمية لإدارة الموارد المائية العربية المشتركة، بحث مقدم إلى حلقة العمل حول تطوير الهياكل المؤسسية والتنظيمية لإدارة الموارد المائية في الوطن العربي، الخرطوم، 19 _ 21/ 9/ 2001م.

7_ منى رحمة: السياسات الزراعية في البلدان العربية: مركز دراسات الوحدة العربية، ببيروت، الطبعة الأولى، نيسان، 2001م.

8 _ نعیم ظافر، جغرافية الوطن العربي، دار البازوري، العلمية للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى، 2002م.

9_ الإنترنت: -

www.mogawaman.org.arabicfeautenalh – iam.