استهلاك السعرات الحرارية..
هل الأطعمة فائقة المعالجة تدفعنا إلى الإفراط في تناول الطعام؟ دراسة أمريكية تكشف اللغز
تدرس المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية ما إذا كانت الأطعمة فائقة المعالجة، التي تشكل أكثر من 70% من الغذاء في أمريكا وترتبط بالسمنة والسكري، تزيد من استهلاك الطعام ولماذا، في إطار أجندة "جعل أمريكا صحية مرة أخرى"، رغم تحديات البحث الكبيرة.

المعاهد الوطنية للصحة تجري دراسة مكثفة حول تأثير الأطعمة فائقة المعالجة على الصحة
تُجري المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة دراسة تهدف إلى التحقق مما إذا كانت الأطعمة فائقة المعالجة تدفع الأفراد إلى تناول كميات أكبر من الطعام، وفي حال تأكد ذلك، ما هي الأسباب المحتملة؟ تشكل هذه الأطعمة أكثر من 70% من إمدادات الغذاء في الولايات المتحدة، وهي موضع جدل كبير بسبب ارتباطها بأمراض مثل السمنة والسكري، رغم أن الآلية الدقيقة لهذا الارتباط لا تزال غير واضحة تمامًا.
تأتي هذه الدراسة في سياق أجندة "جعل أمريكا صحية مرة أخرى" التي يدعمها الرئيس دونالد ترامب ووزير الصحة روبرت ف. كينيدي الابن، والتي تركز على مكافحة الأمراض المزمنة. ومع ذلك، يؤكد العلماء أن هذا النوع من الأبحاث معقد ويستغرق وقتًا طويلاً ويتطلب تكاليف باهظة.
وتسعى الدراسة، التي يقودها باحث التغذية كيفين هول من المعاهد الوطنية للصحة، إلى كشف الآليات التي تجعل الأطعمة فائقة المعالجة مُشبعة بشكل مفرط، والتحقق مما إذا كانت تؤدي إلى زيادة استهلاك السعرات الحرارية وزيادة الوزن، مما يساهم في تفاقم السمنة والمشكلات الصحية الأخرى. يقول هول: "ما نأمل في فعله هو اكتشاف ما هي هذه الآليات حتى نتمكن من فهم تلك العملية بشكل أفضل". كما تهدف الدراسة إلى اختبار نظريات حول تأثيرات هذه الأطعمة، مثل احتمالية احتوائها على تركيبات مكونات (دهون، سكر، صوديوم، وكربوهيدرات) تجعلها لا تُقاوم، أو أن كثافة السعرات الحرارية في كل قضمة تؤدي إلى استهلاك أكبر دون وعي.
وتتميز الأطعمة فائقة المعالجة بارتفاع مستويات الدهون والصوديوم والسكر، وتحتوي على إضافات كيميائية وألوان غير موجودة في الأطعمة المنزلية التقليدية. تشمل أمثلتها الحبوب السكرية، ورقائق البطاطس، والبيتزا المجمدة، والمشروبات الغازية، والآيس كريم.
هذه الأطعمة رخيصة الإنتاج ومتوفرة بكميات كبيرة، مما ساهم في انتشارها السريع في الولايات المتحدة ودول أخرى خلال العقود الأخيرة، بالتزامن مع ارتفاع معدلات السمنة والأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي.
وشارك في الدراسة متطوعون مثل سام سريساتا، طالب يبلغ من العمر 20 عامًا من كلية فلوريدا، الذي قضى شهرًا في مستشفى حكومي تابع للمعاهد الوطنية للصحة خلال خريف العام الماضي. تم توثيق كل لقمة طعام تناولها بعناية، من صحون السلطة الكبيرة إلى أطباق كرات اللحم وصلصة المعكرونة. ارتدى سريساتا أجهزة مراقبة على معصمه وكاحله وخصره لتتبع حركاته، وتبرع بدمه حتى 14 مرة أسبوعيًا. كما أمضى 24 ساعة أسبوعيًا في غرفة صغيرة مزودة بأجهزة استشعار لقياس كيفية استهلاك جسمه للطعام والماء والهواء، مع إشراف صارم لمنع تناول أي طعام غير مصرح به.
وتم تقديم ثلاث وجبات يومية للمشاركين، أعدت بعناية لتلبية متطلبات الدراسة، تحت إشراف أخصائية التغذية سارا تيرنر، التي أكدت على ضرورة أن تكون الوجبات مغذية وجذابة في آن واحد. قام فريق متخصص بقياس ووزن وطهي الطعام قبل توزيعه على المشاركين.
وفي مؤتمر علمي عقد في نوفمبر، أفاد كيفين هول أن الـ18 مشاركًا في التجربة تناولوا حوالي 1000 سعرة حرارية إضافية يوميًا عند اتباع نظام غذائي فائق المعالجة مقارنةً بأولئك الذين تناولوا أطعمة معالجة بشكل طفيف، مما أدى إلى زيادة الوزن.
ومع ذلك، عند تعديل بعض خصائص هذه الأطعمة، انخفض الاستهلاك حتى مع بقائها فائقة المعالجة. يشير هول إلى أنه "يمكنك تقريبًا تطبيع استهلاك الطاقة"، رغم أن النظام الغذائي ظل يحتوي على أكثر من 80% من السعرات الحرارية من الأطعمة فائقة المعالجة.
وفي تحليل سابق أجراه هول وزملاؤه عام 2019، تبين أن الأطعمة فائقة المعالجة دفعت المشاركين لتناول حوالي 500 سعرة حرارية إضافية يوميًا مقارنةً بنظام غذائي متطابق من الأطعمة غير المعالجة. يهدف البحث الحالي إلى توسيع هذه النتائج وتكرارها، مع التركيز على تحديد ما إذا كانت عملية المعالجة نفسها أو المكونات الغذائية أو عوامل أخرى هي المسؤولة عن التأثيرات الصحية السلبية الموثقة.
وتواجه الدراسة تحديات كبيرة، منها التكلفة المقدرة بملايين الدولارات، والحاجة إلى متطوعين مستعدين مثل سريساتا، إلى جانب جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات. من المتوقع نشر النتائج النهائية في وقت لاحق من عام 2025، مع استمرار العمل على استكمال البيانات من المشاركين المتبقين وتحليلها لنشرها في مجلة علمية محكمة.
وتمثل هذه الدراسة خطوة مهمة نحو فهم تأثير الأطعمة فائقة المعالجة على الصحة العامة، خاصة في ظل ارتباطها الوثيق بالسمنة والأمراض المزمنة. تشير النتائج الأولية إلى أن تعديل خصائص معينة قد يقلل من الاستهلاك الزائد للسعرات الحرارية، مما يوفر أملًا في تطوير استراتيجيات لتحسين النظام الغذائي. ومع ذلك، لا يزال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد الأسباب الدقيقة وراء هذه التأثيرات، مما يجعل النتائج النهائية منتظرة بشدة في الأوساط العلمية والصحية.