كسر حاجز المقاطعة..

وفد درزي من سوريا يعبر خط الهدنة إلى إسرائيل: زيارة هي الأولى منذ عقود

في زيارة تاريخية هي الأولى منذ خمسين عامًا، عبر نحو ستين رجل دين درزي سوري خط الهدنة في الجولان المحتل إلى إسرائيل، مما أثار جدلاً واسعًا. تأتي الزيارة وسط تحولات إقليمية وتوترات طائفية في سوريا، مع سعي الدروز للأمان في ظل التهميش، رغم تساؤلات حول دلالاتها السياسية وتأثيرها على هويتهم الوطنية

زيارة تاريخية لرجال الدين الدروز إلى إسرائيل: دلالات وتفاعلات

دمشق

عبر وفد مكون من حوالي ستين رجل دين درزي من سوريا خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل إلى إسرائيل يوم الجمعة، في زيارة تُعد الأولى من نوعها منذ نحو خمسين عامًا. وأثارت هذه الزيارة تفاعلات واسعة داخل الطائفة الدرزية، حيث يرى مراقبون أن تخطي شيوخ الطائفة لحاجز المقاطعة يعكس امتدادًا لتحولات كبيرة تشهدها المنطقة، تؤثر على العديد من المسلّمات.

ويُشير المراقبون إلى صعوبة اتهام شيوخ الدروز الزائرين لإسرائيل بالعمالة كما كان يحدث سابقًا، حين كان يُنعت المتعاملون مع إسرائيل بالعملاء، كما حصل مع سعد حداد وآخرين. ويؤكدون أن الطائفة، التي التزمت تاريخيًا بالموقف السوري والعربي في مقاطعة إسرائيل، لم تحصل على مكاسب تحمي هويتها أو تعادلها بالطوائف الأخرى التي نالت وما زالت تنال امتيازات اقتصادية وسياسية، بالإضافة إلى الاعتراف بخصوصيتها الثقافية والدينية، بينما يشعر الدروز بتهميش مستمر.

وجاءت الزيارة بالتزامن مع تصاعد التوترات الطائفية في سوريا، عقب المجازر المروعة ضد العلويين في الساحل، واستفزاز الدروز عبر حصار مدينة جرمانا ومحاولات فرض السيطرة الأمنية عليها. ويبدو أن الزيارة تسعى لتوفير الأمان عبر تعزيز الوحدة داخل الطائفة وربط أبنائها في سوريا وإسرائيل، حتى لو اعتُبرت تطبيعًا أو عمالة أو مؤامرة ضد الثورة الجديدة.

وإذا رُبطت الزيارة بالاحتماء بالعدو، فإن ذلك لا يُدين الطائفة بقدر ما يُدين من دفعها للبحث عن الأمان خارجيًا لدى طرف يُصنف كعدو، في ظل مخاوف متزايدة من هيمنة جماعات إسلامية مسلحة على السلطة في سوريا.

ووصل الوفد في ثلاث حافلات، برفقة مركبات عسكرية إسرائيلية، إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري، ثم اتجه شمالًا للقاء الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للموحدين الدروز في إسرائيل، قبل أن يزور مقام النبي شعيب في بلدة جولس قرب طبريا.

واستقبل الزوار نحو مئة شخص من الدروز، رحبوا بهم بالأغاني التراثية والتصفيق، فيما رفع شباب أعلامًا درزية بألوانها الخمسة: الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق والأبيض. وارتدى بعض الرجال اللباس التقليدي الأسود مع عمامة بيضاء ذات غطاء أحمر تشبه الطربوش. وقال جمال أيوب (61 عامًا)، وهو مزارع من الجليل جاء لاستقبال عمه ضمن الوفد، لوكالة فرانس برس: "كنا ننتظر هذا اللقاء منذ سنوات، إنها لحظة مؤثرة للغاية."

ويتمركز الدروز في كل من لبنان وإسرائيل والجولان المحتل وسوريا، خاصة في محافظة السويداء القريبة من القنيطرة جنوبًا. لكن مصدرًا درزيًا أشار إلى أن الزيارة واجهت "معارضة قوية" داخل المجتمع السوري، علماً أن الدروز يشكلون أقل من 3% من سكان سوريا.

واستنكر أهالي قرية حضر، التي يقطنها دروز سوريون، زيارة الوفد، وأصدروا بيانًا جاء فيه: "نرفض زيارة بعض المشايخ لفلسطين المحتلة بدعوة من جهات موالية للاحتلال، وإسرائيل تستغل زيارة دينية لإثارة الانقسام في الصف الوطني."

ويبلغ عدد الدروز في إسرائيل والجولان المحتل حوالي 150 ألف شخص، معظمهم في إسرائيل يحملون الجنسية الإسرائيلية ويخدمون في الجيش، بينما يرفض معظم سكان الجولان المحتل، البالغ عددهم 23 ألفًا، الجنسية الإسرائيلية ويعتبرون أنفسهم سوريين.

وكانت إسرائيل قد احتلت معظم الجولان عام 1967 وضمته عام 1981 في قرار لم تعترف به سوى الولايات المتحدة. وتتزامن الزيارة مع إعلان إسرائيل دعمها للدروز في سوريا وانعدام ثقتها بالقادة الجدد للبلاد.

وبعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، نفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية على سوريا، وتقدمت قواتها إلى المنطقة العازلة منزوعة السلاح في الجولان جنوب غرب سوريا.

وأعلن المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد مينسر يوم الخميس أن 10 آلاف طرد من المساعدات الإنسانية أُرسلت إلى "الدروز في مناطق القتال في سوريا" خلال الأسابيع الأخيرة، مضيفًا للصحفيين أن "إسرائيل تربطها علاقة قوية مع إخوتنا وأخواتنا الدروز."

وأثارت تصريحات إسرائيلية حديثة جدلاً في سوريا، حيث قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس في بداية مارس: "إذا تعرض الدروز للأذى من النظام، فسنرد عليه"، وذلك بعد اشتباكات محدودة في جرمانا، التي يقطنها دروز ومسيحيون في ضواحي دمشق.

وأعرب قادة ومرجعيات دينية درزية عن رفضهم للتصريحات الإسرائيلية، مؤكدين تمسكهم بوحدة سوريا. وتُجرى حاليًا مفاوضات بين ممثلي الطائفة الدرزية والإدارة الجديدة في سوريا للتوصل إلى اتفاق يدمج فصائلهم المسلحة في وزارة الدفاع السورية.