علاقتي بالحراك الجنوبي
في 2011 كتبتُ لأول مرة عن القضية الجنوبية، لم يكن ممكنًا أن أكتب قبل هذا الوقت، لأني كنتُ قبلها أكثر الكائنات محدودية على وجه الأرض، حتى 2008م لم أكن امتلك كمبيوترًا خاصًا ولم أكن قد عرفت شيئًا عن الاختراع المدعو انترنت.. كنت طالبة طب في عامي الرابع عندما حصلت لأول مرة على إيميل شخصي ظل هامدًا حتى استخدمته لأول مرة في 2010 لأراسل إحدى الصحف العربية التي نشرت فيها لاحقا عشرات المقالات.
كل علاقتي بالحراك ارتبطت بهذا الكيبورد الذي طبعت عليه جل ما يمكن أن يسميه المرء نضالًا، كتبت طوال سنوات ما كنت أفكر فيه بصوِت عالٍ وبتجرّد كامل، وحصلت على الآلاف من القراء، المحبين والكارهين، لم أكتب يوما محاباةً لجهة ولا إملاءً من أخرى، ولم ارتبط بأي تيار ولا شخصية ولا مكون على الإطلاق، علاقاتي الشخصية والعامة محدودة بشكل لايمكن تصوره، وأنا وإن دافعت عن أي مشروع في الجنوب فهو لأني أرى فيه مصلحة للجميع وخيرًا لقضيتي التي أؤمن بها.. ولأجل هذا فقط كنت أكتب، كتبتُ انتصارًا لحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم وكتبت انتصارًا لثقافتنا ومدنيتنا وإرثنا الإنساني، كتبت للحرية بمعناها الشامل.. يقول البعض أن الحراك هو الميدان والوقفات والمليونيات وفي حالتي كان الحراك هو الفكرة والمبدأ والثوابت ولا شيء سوى ذلك، طوال الأعوام المنصرمة نأيت بنفسي عن كل الكيانات والتنظيمات، وقصرتُ نشاطي خلال الفترات الفائتة على تدويل القضية، ذهبتُ للكثير من اللقاءات والنشاطات والمؤتمرات مع جهات دولية عديدة وكان كل ما يعرفه الناس عن الجنوبيين "الخلاف لا الاختلاف".. كلما قلنا جنوب قالوا اتفقوا أولًا .. وكلما طالبنا بأن يسمعنا الناس قالوا "ابحثوا عن لسان واحد".
لهذا نعمل بهدوء ومجموعة من الجنوبيين المقيمين في الخارج على كسر الحواجز بيننا وبين مراكز صناعة القرار، بجهود ذاتية بالكامل، لاعتقادنا بأننا نملك اللغات والطرق لذلك، لكن عشرات من العوائق تقف في سبيلنا، ليس أولها الطبيعة الشائكة للقضية التي ندافع عنها وليس آخرها التجاذبات والتخوين والمحاربة من الداخل الجنوبي نفسه.. لا يخفى على أحد أن في الجنوب شهوة جائشة للتصدر وللبطولات المطلقة، أكثر مما فيه من الكفاءات والوعي، ولعل هذا أهم أسباب إجهاض كافة المحاولات للم الشمل ولملمة الشتات، كان أبرزها في السابق المؤتمر الجنوبي الجامع الذي أجهض للأسف وبنفس الأدوات التي يحاول البعض استخدامها لإجهاض المجلس الانتقالي الجنوبي.
أكتب كل هذا أولًا: امتنانا للثقة التي منحتها كعضوة في الجمعية الوطنية الجنوبية التي ما كنتُ رضيتُ بها لو كنت أرى في المجلس الانتقالي مكونًا من المكونات.. وثانيًا: لأقول بأنها المرة الأولى التي يطلب مني أحد "سيرتي الذاتية" لأجل المشاركة في أي عمل محلي، فكل مشاركاتي المحلية كانت تتم بالعمياني وبالمحبة على رأي أخواننا المصريين، وبالمناسبة لست على اتصال مباشر أو غير مباشر مع أي من قيادات المجلس وأول اتصال بهم كان قبل أشهر عندما طلبوا مني إرسال سيرتي الذاتية وثاني اتصال عندما أُخذت موافقتي قبل أيام للانضمام للجمعية، يعني بالعدني كانت العملية كلها " كلمة ورد غطاها".. ثالثًا: لأقلل من حدية الهلع الذي انتاب البعض تجاه هذا التكوين الوليد، فالقضية الجنوبية ليست حكرًا كما أن الانتماء للمجلس الانتقالي ليست عضوية ولا وظيفة (بالتالي ليست لها أي امتيازات مادية بالتأكيد) ، نستطيع جميعًا أن نكون أصواتًا لقضيتنا الجامعة بتشعياتها الثفافية والسياسية والحقوقية داخل المجلس وخارجه، وإن كان من الجيد أن نكون صوتًا واحدًا عوضًا عن اصرارنا على الغناء في الجوقة النشاز، نستطيع أن ننتقد ونصوب ونعمل تحت هذا الإطار، المجلس الانتقالي ليس شركة ولا ملكية خاصة أو حتى عامة، هو في النهاية محاولة مجدية لنجعل للقضية الجنوبية اليوم "يد ولسان" قد تجهض هذه المحاولة وقد تنجح إن أراد الجنوبيون لقضيتهم النجاة، ولكنها تظل (على عيوبها) الحالة الأكثر تميزًا في عمر الحراك، وأي عمل منسق ومؤسسي؛ نجح أم فشل، هو في النهاية دفعة بالحالة الجنوبية نحو الأمام.