سناء مبارك تكتب:

مصر العربية تبهر العالم

تابعتُ العرض التاريخي مثلي مثل الملايين من عشاق التاريخ والحضارة والفن حول العالم، لكن عيني التي كانت تراقب المتحف المصري وميدان التحرير "والقاهرة ونيلها وطول ليلها" هي عين ابنة لهذا البلد، عاشت فيه أكثر عمرها كمًا ونوعًا، دلفته لأول مرة وهي لا تفقه عن العالم شيئًا وغادرت منه وقلبها نبتة مزروعة في أرض المحروسة، تأتيها كل مرة لتسقي الحرث، ولأن من يشرب من ماء النيل لابد أن يعود.

كنت أشاهد الحفل وكأني لازلت في مصر، أخرج "كوباية الشاي في البلكونة واشنّف سمعي في آخر المساء بصوت الست وهي تتنبأ لي "فات المعاد وبقينا بعاد".

كان صوت الاوركسترا المهيب وهو يعزف يحمل لي أصواتًا أخرى تأتي من الخلفية، صوت بائع العيش وهو ينادي" أربعة بجنية عيش، وصاحب الخردة وهو يصيح من الأسفل "روبابيكيا"، وآخرون يلزم لتفهمهم أن تتقن لغة لا يتحدثها سواهم.

كانت التوابيت تتحرك ويتهيأ لي لو كنت أمشي أمامها لصاح أحدهم" ظهرك يا آنسة"! أو لكأني في زقاق المستشفى حيث يتدافع الناس وكلمة السر دائمًا" طريق يا دكاترة".

كانوا اليوم يشرحون الطريق الذي ستتحرك منه المواكب وأتخيل كل التفاصيل، لا أبالغ إن قلت بأني أحفظ شوارع وأزقة القاهرة ككف يدي، ومن الصعب جدًا مراوغتي كلما حاول ذلك سائق تاكسي، لا أقبل أن يغشني أحد في قاهريتي، ليس لشيء ولكنها سنوات من عمري مرت وأنا أتردد على أماكن صنعت أجمل ذكرياتي وأكثرها تأثيرًا، الحياة في القاهرة كثيفة ووجوه الناس حكايات، شوارع القاهرة تجارب أكثر منها أزقة، واليوم في القاهرة بألف في غيرها.

شعرت اليوم بأني جزء من هذه الحضارة، وإن لم أمتلك ما يثبت انتمائي لبلدي الثانية هذه حبرًا على ورق، ف "مصر شمسها فى سماري، شكلها فى ملامحي، حتى لونى قمحي لون خيرك يا مصر".