محمد الدليمي يكتب لـ(اليوم الثامن):
نهاية النظام الإيراني
ان اغلب المراقبين والمحللين السياسين في مراكز الابحاث الدولية والذين كان جُل انشغالهم قد انحصر برصد مسارات التسلح النووي ومتابعة آثار النفوذ الايراني المتزايد في ساحات هامة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها بعيداً عن بذل أي جهد لدراسة تفاعلات الداخل الإيراني ومعرفة انشغالات الفرد العادي وطريقة تفكيره وتقييمه لمجريات الصراع الكامن منذ فترة طويلة بين النخبة المسيطرة وعموم الشارع اوتفحص شكل الصراع وحجم مستوياته بين اعضاء النخبة السياسية أصلاً.
هذه النخبة التي برزت الى الرأي العام بصورة تبدو من خلالها غير منسجمة فيما بينها على الاستراتيجية العليا للنظام وهذا ما كشف لنا عن وجود أختلال جوهري وعدم تجانس في قمة الهرم السياسي وللتأكد من ذلك يتمكن المراقب المحايد للأحداث ببساطة من رؤية حدة وتناقض ردود افعال اعمدة النظام وحافظو بواباته ازاء التطورات السياسية والأمنية الجارية مؤخراً في البلاد والتي تراوحت من التأييد المطلق للرئيس روحاني وسياساته المثيرة للجدل في الداخل والخارج.
ومن خلال مراقبتنا للمشهد السياسي المتأزم في عموم هيئات الحكم نستطيع ان نكتشف تداخل الواقع الايراني المركب بين النفسي والديني والتأريخي ومدى تأثر افراد أجهزة القمع المتمثلة بعناصر البسيج والحرس والمخابرات بفتاوىً صادرة عن مراجع شيعية عليا لها سطوة ونفوذ ديني قوي ربما يتجاوز هالة وتأثير المرشد خامنئي
ولذا فأنني استطيع ان أقرأ المشهد الإيراني الحالي بتجلياته وتوقعات مسار الأحداث القادمة وفقاً للتفاعلات القوية والنشطة وطبيعة انتقال النخب من موقع الحكم الى المعارضة او بالعكس ومثلما يقول الملك المغربي الراحل الحسن الثاني في كتابه « ذاكرة ملك » ان السياسة ليست فن الممكن فحسب انما تتعداها الى فن التوقع ..
هذا التوقع ليس ضرباً في الغيبيات لكنه ما يستند الى دراسة هذه التفاعلات السياسية والتفتيش عن جذور المشكلة وليس تفحص اغصان الشجرة المريضة ..
فإيران في هذه اللحظة تشبه الى حد ما شجرة مريضة تنتظر من يصف لها العلاج او اللقاح المناسب قبل ان نشاهد تيبسا يبدأ من جذورها قبل اغصانها بعد ان تكون المياه التي تغذيها قد جفت من حولها .. ومن خلال تتبع عناصر الأزمة السياسية والتي كما أعتقد ويعتقد مثلي الكثيرون انها أزمة تتعدى في حجمها وتأثيراتها السلبية فهي في المحصله اشكالية حكم ونظام فقد بوصلة التوجهات والبحث عن هوية جمعية للشعب الإيراني الذي يمتلك تطلعات تتجاوز قابلية النظام الحاكم .
وسوف يحدث بشكل متدرج تغييرا في السياسات الداخلية والخارجية للنظام الحاكم وربما هذا سيحصل عندما يكون هناك تململاً او انشقاقا في اوساط قيادات نافذة في الحرس الثوري والذي يعد القوة الضامنة لاستمرار حكم الولي الفقيه السيد خامئني.. فهذه القوة شديدة التدريب ستغير ولاءاتها في اللحظة المناسبة هذه اللحظة ستأتي عاجلا او آجلا عندما تتبلور قناعة لديها بأن مستقبلها صار يلفه الغموض في ظل استمرار الأزمة مع القوى العظمى امريكا حول ملفها النووي ودعمها للارهاب في المنطقة..
ومما لا شك في ان المراقب للشأن الايراني في الماضي القريب والبعيد يمكن له ان يرصد سرعة تبدل موقف جنرالات جيش شاه ايران وولائهم لرضا بهلوي وكذلك تفكك جهاز مخابرات الشاه القوي « السافاك » بفترة وجيزة تحت تأثير فتاوي وأحتجاجات الشعب الايراني على الرغم مما عرف عنهما من شدة بأس وقوة تدريب وعناية فائقة اولاها لها الحكم الشاهنشاهي السابق .
تخلخل وانحسار قاعدة النظام الشعبية وتضاؤل مساحة الأرضية الايدلوجية للنظام المرتكزة على مجموعة من الفتاوي والولاء للمذهب وطاعة آيات الله ورجال الدين وعلينا هنا ايضا ان ننتبه الى الخلفية التأريخية والنفسية للفرس والشعب الايراني القائمة على سرعة تغيير الولاء والانتفاض على الحاكم مهما كان شكله ولونه فالشخصية الايرانية في جذورها ميالة الى التغيير والتمرد على الرغم من الأنطباع السطحي عنها بانها شخصية تستكين للحكم او موالية على طول الخط وبالتالي فأنه مع ازدياد في نسب الفقر والحرمان والبطالة والقمع والكبت وشعور الفرد الايراني العادي بأنه لم يكسب من الحكم الديني سوى المزيد من الشعارات والوعود..
وفي الختام اريد ان اصل من خلال هذه المقالة التي تختزن بين سطورها عناوين لبحوث مستفيضة الى نتيجة ان ايران الحالية هي عبارة عن شجرة مريضة يمكن ان تستمر بمرضها لفترة وتتعايش مع علتها المزمنة بما لا يمنع الخوف من ان تُعدي هذه الشجرة اشجارا تجاورها لا تعلم بحجم مرض هذه الجارة القريبة ولذا فالتنبه والتحسب للقادم الايراني واجب على دول الجوار لأن إيران مخاطرها جمة وأخطارها لا تعد.