خير الله خير الله يكتب :
إعادة تشكيل "الشرعية".. لإعادة تشكيل اليمن
بتنصيب نفسه رئيسا لحزب المؤتمر الشعبي العام، يقطع الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي الطريق على أي عودة للحياة إلى هذا الحزب الذي يمتلك، أقلّه نظريا، قواعد في مختلف أنحاء اليمن.
هل المطلوب قتل المؤتمر الشعبي العام أم إعادة الحياة إليه، مع الاعتراف صراحة بأنّ الحزب فقد الكثير من وزنه في اليوم الذي اغتال فيه الحوثيون (أنصار الله) علي عبدالله صالح، قبل نحو أربعة أشهر.
من يشارك في قتل المؤتمر الشعبي الآن، إنّما يستكمل ما قام به الحوثيون في الرابع من كانون الأول – ديسمبر 2017 عندما اقتحم “أنصار الله” منزل الرئيس اليمني السابق، وهو زعيم المؤتمر، وصفوه بدم بارد بعدما قرّر التصدي لهم.
كان آخر تحرّك ذي طابع شعبي كشف للحوثيين مدى شعبية علي عبدالله صالح الحشد الكبير الذي استطاع المؤتمر الشعبي تنظيمه في آب – أغسطس من العام الماضي. كان ذلك الحشد الذي شارك فيه مئات الآلاف، في مناسبة مرور خمسة وثلاثين عاما على تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، التظاهرة الأخيرة التي يدعو إليها علي عبدالله صالح.
كان الحشد الكبير إشارة إلى أن علي عبدالله صالح ما زال قادرا على التعبئة في صنعاء نفسها وفي محيطها، حيث ما يسمّى “قبائل الطوق” التي ما لبثت أن تخلّت عنه. لذلك كان لا بدّ من التعجيل في تصفيته تنفيذا لرغبة دفينة لدى عبدالملك الحوثي والذين يقفون خلفه.
في الواقع، يحاول الرئيس الانتقالي الذي فشل إلى الآن في كلّ خطوة أقدم عليها منذ خلافته علي عبدالله صالح في شباط – فبراير 2012 القضاء على ما بقي من المؤتمر الشعبي العام. هذا يخدم الحوثيين أكثر من أيّ طرف آخر، كما أنّه جزء من أجندة الإخوان المسلمين. هاجسه الأوّل والأخير هو علي عبدالله صالح الذي جعل منه نائبا للرئيس لمدّة خمسة عشر عاما. لا هدف له من خطوة وضع اليد على رئاسة المؤتمر الشعبي العام سوى قطع الطريق على إمكان تولي العميد أحمد علي عبدالله صالح مهمّة إعادة الحياة إلى المؤتمر الشعبي العام. وهذه مهمّة صعبة في ضوء توزع القيادات المؤتمرية على مناطق يمنية مختلفة ووجود قسم كبير منها خارج اليمن.
لا مفرّ من الاعتراف بأن أحمد علي عبدالله صالح، الذي أسّس الحرس الجمهوري بشكله الحديث، لا يزال يمتلك وزنا سياسيا في اليمن، على الرغم من وجوده في الخارج منذ سنوات عدّة، بعدما عيّنه عبدربّه منصور سفيرا لبلاده في دولة الإمارات بهدف إبعاده عن صنعاء ليس إلّا.
يُفترض في عبدربّه منصور التخلي نهائيا عن فكرة أنّ في استطاعته أن يكون علي عبدالله صالح آخر.
هناك عقدة اسمها عقدة علي عبدالله صالح تتحكّم بتفكير رجل مطلوب منه الانصراف إلى مهمّات أخرى مرتبطة بمواجهة الخطر الحوثي الذي يمثّل مع “القاعدة”، وما ولدته من فروع لها، الخطر الحقيقي على اليمن وعلى إمكان إيجاد صيغة جديدة للبلد.
هناك منطق يبدو أن عبدربّه منصور غير قادر على التصالح معه. يقول المنطق الذي تدعمه الوقائع أن هناك يمنا آخر موجودا حاليا لا علاقة له باليمن الذي كان قائما قبل العام 2011 عندما بدأ التحرّك الذي قاده الإخوان المسلمون من أجل التخلّص من علي عبدالله صالح. فشل الإخوان في الثالث من حزيران – يونيو 2011 حيث نجح الحوثيون في أواخر العام 2017.
ما لا بدّ من تذكّره في كلّ وقت أن الرئيس السابق كان دائما هدفا مشتركا للإخوان والحوثيين في الوقت ذاته. هذا ما لم يستوعبه الرئيس الانتقالي الذي لم يكن يفترض أن تمتد ولايته لأكثر من سنتين، لولا حاجة التحالف العربي إلى توقيعه بصفة كونه يمثل “الشرعية”.
لا شكّ أن علي عبدالله صالح ارتكب أخطاء كثيرة، خصوصا في السنوات الأخيرة من حكمه عندما بدأ يحيط نفسه بأولئك الذين لا يستطيعون، أو على الأصحّ لا يريدون، إعطاءه صورة حقيقية عمّا يدور في البلد. هذا ينطبق خصوصا على التغاضي عن ارتكابات لعدد كبير من الضباط والمقربين المحسوبين عليه. لكنّ خطيئته الكبرى كانت في التغاضي عمّا كان يعدّ له الإخوان المسلمون الذين وضعوا يدهم بشكل كامل على حزب التجمع اليمني للإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في أواخر العام 2007.
في وقت يجري ممثل الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث محادثات في صنعاء مع الحوثيين بهدف معرفة هل هم على استعداد للدخول في مشروع وفاقي لليمن كلّه بدل التمسّك بدولتهم التي أقاموها في الشمال اليمني، تظهر الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى التخلّي عن أفكار بالية.
من بين هذه الأفكار أنه في الإمكان استعادة تجربة علي عبدالله صالح التي استمرّت بين 1978 و2012. هذه التجربة انتهت قبل أن يلجأ الحوثيون إلى تصفية الرجل، بل قبل محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في مسجد دار الرئاسة في منتصف العام 2011.
باختصار شديد، لا يمكن خوض مواجهة ناجحة مع الحوثيين من دون إعادة تشكيل “الشرعية”. هذا يعني، من بين ما يعني، في طبيعة الحال إعادة الحياة إلى ما بقي من المؤتمر الشعبي العام وليس توجيه ضربة قاضية إليه.
هذا يعني أيضا الاعتراف بأنّ الوقت ليس وقت تصفية حسابات شخصية مع أحمد علي عبدالله صالح، بل وقت التخلص من عقدة علي عبدالله صالح والانصراف إلى بحث جدّي في كيفية التعاطي مع الظاهرة الحوثية وخطورتها على المنطقة كلّها من جهة والأسباب التي تدعو الإخوان المسلمين إلى اعتماد سياسة خاصة بهم تحول دون أي تقدّم على الجبهات العسكرية من جهة أخرى.
في الأيّام التي سبقت اغتيال علي عبدالله صالح، حشد الحوثيون قواتهم في صنعاء وأخلوا معظم الجبهات. باتت أكثر من طريق إلى صنعاء مفتوحة. لماذا لم تدفع “الشرعية” قواتها إلى الأمام كي تقترب أكثر من العاصمة اليمنية؟ هذا لغز لا جواب عنه إلى الآن.
لا يشبه هذا اللغز سوى لغز رفض عبدربّه منصور نصيحة علي عبدالله صالح بالتصدي للحوثيين عسكريا في عمران قبل بلوغهم العاصمة في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. تذرّع الرئيس الانتقالي وقتذاك بأنه “لا يريد الدخول في تصفية الحسابات بين علي عبدالله صالح والحوثيين” على حد ما نقل عن الشخصيات الأربع التي نقلت إليه النصيحة. ثلاث من هذه الشخصيات ما زالت حيّة ترزق. كانت النتيجة بلوغ الحوثيين صنعاء وطردهم “الشرعية” منها!
في حال كان مطلوبا خروج اليمن من أزمته، التي يصفها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بأنّها “أكثر الأزمات خطورة في العصر الحديث”، لا مفرّ من إعادة تشكيل “الشرعية” من أجل إعادة تشكيل اليمن.
الأكيد أن الخطوة الأولى في هذا المجال تكون بتخلّص عبدربّه منصور من عقدة علي عبدالله صالح والاستفادة من كلّ ما من شأنه المساعدة في إيجاد مخرج من الأزمة التي قضت على البلد. هذا يتطلب ببساطة إنقاذ ما يمكن إنقاذه في إطار صيغة جديدة لا تستبعد أحدا في اليمن، بما في ذلك الطرف الحوثي…