فاروق يوسف يكتب:
قتلة محترفون بمزاج إنساني
ما الحاجة إلى استعمال سلاح كيمياوي في دوما السورية؟ سؤال يبدو كما لو أنه يبرّئ الجيش النظامي من القيام بفعل، صارت تدور حوله الشبهات كلما تعرضت قوات معارضة لهزيمة من نوع قاتل. قبل اللجوء إلى ما قيل إنه غاز الكلور كانت دوما منطقة ساقطة عسكريا. كانت جماعة جيش الإسلام يومها على وشك المغادرة بشكل كامل.
المدنيون من سكان المدينة مارسوا ضغوطا كبيرة على تلك الجماعة المسلحة من أجل أن تنهي في أسرع وقت حربا خاسرة لتجنب مدينتهم المزيد من القتل والدمار والهلاك جوعا.
ما كان ضروريا إذن بالنسبة للجيش النظامي أن يستعمل سلاحا محرما لكي يعجّل باستسلام المسلحين المحاصرين. كما أن النظام ليس غبيّا إلى درجة اللجوء إلى القيام بخطوة غير ضرورية، يعرف أنها ستجر عليه متاعب هو في غنى عنها.
من ناحية فنية فإن الأفلام التي اعتمدتها وسائل الإعلام العالمية وانتشرت على نطاق واسع هي من إنتاج جماعة جيش الإسلام، وهي جهة ليست محايدة أو ذات مصداقية، يمكن الوثوق بها. أليس من الوارد التشكيك، ولو مؤقتا، بحقيقة ما جرى أو على الأقل بملابسات وخلفيات ذلك الحدث الفاجع؟
قد لا يكون الحدث صناعة سينمائية. أي أن هناك فعلا ضحايا من الأطفال وقعوا نتيجة الاختناق بغاز من نوع ما. تلك تقنية يمكن أن تلجأ إليها جماعة مسلحة كانت على وشك أن تفقد إمارتها التي هيمنت عليها منذ أكثر من ست سنوات. أما الهدف من ذلك فقد كان مزدوجا.
سعت تلك الجماعة إلى بث روح الرعب في نفوس من قرروا البقاء في دوما وعدم مغادرة بيوتهم من خلال تقنية تنطوي على الرغبة في الانتقام هذا من جهة. ومن جهة أخرى جرّبت الجماعة وصفة كانت تعرف مقدار تأثيرها على الغرب الذي كان في أمسّ الحاجة إليها بعد أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا.
كانت تلك الحادثة هدية إلى الأجهزة والدوائر الغربية غير المتحمّسة لطي صفحة سوريا وإنهاء الحرب هناك على أساس الحسم الروسي. وهنا وقع رجل الأعمال ترامب بين سندان الراغبين في عدم الاستسلام لرغبات القيصر الروسي، ومطرقة المستثمرين في الحرب هناك.
كان واضحا من خلال المواقف الأوروبية، وبالأخص الموقف البريطاني، أن الضغوط التي مورست على الرئيس الأميركي كانت مبيّتة وتتجاوز مسألة البحث عن حقيقة ما جرى.
كان مثيرا للسخرية والأسى معا أن يرتفع الصوتان، البريطاني والأميركي تنديدا بهمجية ووحشية وانحطاط الخطوة التي أقدم عليها “النظام السوري” تزامنا مع ذكرى احتلال بغداد من قبل القوات الأميركية والبريطانية التي استعملت في إبادة العراقيين كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا. لست هنا بصدد المقارنة بين همجية وأخرى. غير أن الشعارات الإنسانية التي ترفعها الولايات المتحدة وبريطانيا، وهما تسعيان إلى ضرب سوريا بطريقة عبثية، تنطوي على الكثير من الزيف والكذب والتضليل. وهو ما يعرفه المعارضون السوريون قبل سواهم.
فليس صحيحا أن يتم حل الأزمة السورية عن طريق المزيد من الدمار. وليس حقا أن يتكفل القتلة المحترفون بالانتقام لضحايا مجزرة سبق لهم أن ارتكبوا مجازر تفوقها رعبا ودموية وترويعا.
لقد ترك الاحتلال الأميركي – البريطاني في العراق وصمات عار على جبين البشرية لا يمكن أن تُمحى بمرور الزمن. لذلك فإن الشك في ما جرى وما سيجري له ما يسوغه.
فقد يكون السيناريو معدّا من قبل الدوائر الغربية ذات التأثير في القرار السياسي من أجل أن يتم تغليف العودة الأميركية إلى سوريا بطابع إنساني له علاقة بجريمة ارتكبت بحق المدنيين.
كل شيء ممكن في الحالة السورية. ليس من المبالغة في شيء القول إن أصدقاء الشعب السوري كانوا قد مارسوا القتل منذ وقت قليل في حق الشعب العراقي. لا تزال رائحة التفاح تسكن أنـوف مَن تبقى من سكان الفلوجة العراقية أحياء. وهي الرائحة التي يطلقها الفسفور الأبيض الذي استعملته القوت الأميركية من أجل إبادة المدنيين هناك.