د. عيدروس النقيب يكتب:
الجنوب . . . .مهام وتحديات
بعد أيام يعيش الجنوبيون الذكرى الأولى لمهرجان الرابع من مايو 2017م الذي تمخض عن بيان الدعوة لإشهار المجلس الانتقالي الجنوبي وما تلا ذلك اليوم من تطورات أوصلت القضية الجنوبية إلى ما وصلت إليه من تقدم وحضور وانتشار على الصعيدين المحلي والخارجي، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي، وعلى وجه الخصوص ما تم إنجازه على صعيد البناء الداخلي للمجلس الانتقالي وهيئاته المختلفة على مستوى المركز وعلى المستوى المحلي وفي الخارج، وبالمقابل ما تعرضت له القضية الجنوبية والقوى السياسسية الجنوبية وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي من حملات إعلامية تشهيرية معادية من قبل كل القوى المعروفة بمناصبتها الجنوب وقضيته العداء السافر القديمة منها منذ العام 1994م، أو الجديدة التي ركبت موجة القضية وراحت تتكسب من ورائها وتحصد المغانم وتبني المصالح على حساب الجنوب ومعاناة الجنوبيين.
هذا المشهد الجنوبي تختلط فيه الكثيرمن ملامح التقدم والنجاح لصالح القضية الجنوبية وتطلعات شعب الجنوب نحو تقرير مصيره المستقل والحر بعيدا عن الوصاية والتبعية، وهو أمر يبعث على التفاؤل والأمل بمقابل محاولات أعداء القضية الجنوبية وأد تطلعات الشعب الجنوبي تحت حججٍ شتى بدءً بشعار "الوحدة المعمدة بالدم" و"الوحدة كركنٍ سادسٍ من أركان الإسلام" وانتهاء بحكاية أن ممثلي الشعب الجنوبي هم الوحدويون فقط وأنه لا يحق لغيرهم الحديث باسم الجنوب والجنوبيين، حتى وإن كان المقصود بهذا الجنوب وهؤلاء الجنوبيين هو الملايين الستة وفي طليعتهم تلك الكوكبة الرائعة من المناضلين الأشداء الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وهرعوا إلى ساحات النضال السلمي لمواجهة قمع عفاش وشركائه وعندما حانت لحظة المواجهة المسلحة لم يترددوا عن حمل ما توفر لهم من سلاحٍ خفيفٍ مصحوبٍ بإرادة فولاذية واستعدادٍ معنويٍ عالٍ للتضحية بكل غالٍ ونفيسٍ بما في ذلك الدماء والأرواح، في سبيل حرية الوطن وكرامة المواطن، وألحقوا بالغزاة القداما والجدد الهزائم المنكرة رغم التفاوت الكبير في العدة والعتاد، وفي التأهيل والتدريب.
تحديات كثيرة ومهمات كبيرة تنتصب أمام الجنوبيين وقواهم السياسية المؤمنة بعدالة القضية الجنوبية، وفي المقدمة من هذه القوى المجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره الكيان السياسي الأكثر حضوراً والأوسع انتشاراً والأشمل تعبيراً عن قطاعات الشعب الجنوبي وشرائحه وفئاته الاجتماعية المختلفة. إن التحدي الرئيسي الذي ينتصب أمام الجنوبيين وقيادتهم السياسية يتمثل في استكمال النضال التحرري للشعب الجنوبي حتى بلوغ غايته النهائية في تقرير مصيره المستقل، وهو ما يقتضي حماية الانتصارات العظيمة التي حققها الشعب الجنوبي بدعم ومساندة الأشقاء في التحالف العربي وعلى وجه الخصوص الأشقاء في دولة الإمارات العربيةالمتحدة، من خلال طرد غزاة 1994م وغزاة 2015م وتحويل هذه الانتصارات إلى جسر عبور لتحقيق تطلعات الشعب الجنوبي في تقرير مصيره المستقل بعيدا عن أية وصاية أو تبعية، ومن بين التحديات الكبيرة التي تنتصب أمام الجنوبيين اليوم تحدي الحفاظ على جبهتهم الداخلية من محاولات الاختراق واستعادة ثقة الشركاء الجنوبيين الذين يحاول أعداء القضية الجنوبية استثمار ما يبدونه من تذمر وشكوى مما يسمونه بالإقصاء أو الاستبعاد، وهو في غالبه اعتقاد خاطي يقوم على افتراض أن هناك غنائم يفترض تقاسمها أو مكافآت ينبغي أن تصل إلى كل المستحقين.
وفي هذا الإطار وفي ضوء التحديات التي تقف أمام نضال شعبنا الجنوبي يمكن التعرض للعديد ممن المهمات التي تنتصب أمامهم وأمام قيادتهم، وهذه المهمات ذات مستويين: المستوى الأول ويتمثل في تلك المهمات المرحلية التي تتصل إما بحقوق المواطنين ومتطلبات حياتهم، أو بتعزيز تماسك الجبهة الداخلية الجنوبية، وهنا يمكن الإشارة إلى التمسك بالنضال السلمي للمطالبة بالحقوق اليومية للمواطنين الجنوبيين وفي مقدمتها استعادة الخدمات الضرورية من ماء وكهرباء ونظافة وكل الخدمات البلدية، فضلا عن الخدمات الطبية والتعليمية والأمنية التي تعرضت للتدمير والعبث على يد نظام عفاش وجاءت حكومة الشرعية لتثبت فشلا ذريعا في إدارة ملفات هذه الخدمات وتبدي تفوقا ملحوظا في فسادها على ما أحرزه المعلم الأول (عفاش)، إلى جانب النضال من أجل حصول موظفي الدولة على مستحقاتهم الشهرية في وقتها المحدد، وغيرها من المهمات.
والإشارة إلى التمسك بالنضال السلمي تأتي باعتبار هذا النوع من أنواع النضال يمثل مبدأً أساسياً من مبادئ الثورة الجنوبية، لكنه لا يعني العودة بالشعب الجنوبي إلى زمن القمع والتنكيل والقتل تحت مختلف الحجج التي استخدمها نظام عفاش وشركاؤه ويحاول اليوم تلاميذه العودة إلى استخدامها ضد الشعب الجنوبي باسم الشرعية وبذريعة الدفاع عن نظام الستة الأقاليم الذي كان سببا في كل ما تشهده البلد من حروب وأنهار الدماء ومشاهد الدمار الذي لم يبقِ شيئاً إلا ووصل إليه. والمستوى الثاني ويتمثل بالمهمات الاستراتيجية المتصلة بجوهر القضية الجنوبية وهو ما يتعلق بما أسميناه حق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره، ومن المهمات المنتصبة أمام الجنوبيين في هذا الإطار: توسيع دائرة المشاركة السياسية والوطنية في مواجهة التحديات المنتصبة أمام الشعب الجنوبي من خلال انفتاح المجلس الانتقالي على جميع الشركاء الجنوبيين وهذا يقتضي مواصلة الحوار بصبرٍ وتأنٍ مع كل الجنوبيين الذين يؤمنون بحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره المستقل والاستماع إلى مختلف الأفكار والآراء والمبادرات التي من شأنها خدمة الهدف الأسمى للشعب الجنوبي وتقليل كلفة الوصول إليه.
خوض مزيد من النضال السياسي لإيصال القضية الجنوبية إلى المحافل الإقليمية والدولية وإقناع الشركاء الإقليميين والدوليين وصناع القرار في هذين المستويين بعدالة القضية الجنوبية ومشروعيتها وأحقيتها بالحل العادل بما يستجيب لتطلعات الشعب الجنوبي. إيصال رسالة إيجابية إلى الأشقاء في شمال اليمن تتضمن استعداد الجنوبيين لإقامة علاقات أخويه من الشعب الشمالي والحفاظ على المصالح المشتركة ودعم الأشقاء في استعادة حقهم في دولة مدنية تحترم القوانين والنظم ولا تكون أداة بيد أعداء اليمن وأعداء العرب، وفتح المجال لشراكات مستقبلية متعددة بعيدا عن ثنائيات الفرع والأصل ، والتابع والمتبوع، والمنتصر والمهزوم. وهناك العديد من المهمات التي ستنشأ تبعا لما سيتولد أمام الجنوبيين من تحديات تقتضيها طبيعة كل مرحلة من مراحل النضال الجنوبي التي يمكن التنبؤ بتعقيداتها ومسالكها الشائكة لكن لا يمكن التحكم في مدياتها ومسارها الزمني وتوقيت كل منها.