سمير عطا الله يكتب:
الثلاثة مرة ثانية
أصحاب المعالي ثلاثة، حفظهم الله: وزير الوزراء سيرغي، ووزير الظرف جواد ظريف، ووزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، أبرز صورة لنجاح الشعر المزروع في بلاد الأناضول.
والثلاثة في اجتماع من اجتماعاتهم الأخوية الدورية في موسكو. تحدث وزير الوزراء، فكرر ذلك الكلام الطيب الذي يشدد عليه معاليه منذ بدء الحوار الهادئ في سوريا منذ سبع سنين: لا حل إلا الحل السياسي. وقال لضيفيه: قولا من بعدي، لا حل في سوريا إلا الحل السياسي.
كرر ذلك أوغلو باسماً، وكرره ظريف تملأ نفسه البهجة وابتسامته المتواضعة. لا مشكلة في النص، بل لا أرقى ولا نيّة أطيب. المشكلة كانت في الصورة: أين أيها السادة أصحاب المعالي، وزير خارجية سوريا، بحيث ينقل رغبتكم العليّة إلى الشعب السوري، الذي صار يدرك بعد سبع سنوات، أن أصدقاءه كثيرون، لكنه لا يعرف لماذا يُقتل ويُهجر ويُرمد (من رماد) على أيديهم؟
وما دام الحل سياسياً إلى هذا الحد، وسوريا إلى هذه الدرجة، لماذا اختار فلاديمير بوتين أن تكون زيارته الوحيدة إلى الأراضي السورية ذات السيادة، إلى قاعدة حميميم، من دون المرور بدمشق، أقدم مدن التاريخ المستمرة دون انقطاع.
لا أدري ماذا سيكون انطباع السوري من شتى الأجيال وشتى المناطق وشتى الديار، عندما يسمع لافروف يتحدث عن السياسة. سقى الله تلك الأيام التي كان الدكتور وليد المعلم يخاطب نده الروسي باسمه الأول تحبباً في المؤتمرات الصحافية المشتركة: اتفقنا، سيرغي وأنا، يقول، ثم ينظر إلى سيرغي في ود، فيبادله نده المودة.
المشكلة ليست في النصوص. الويل في الصورة. السادة الثلاثة المتحدثون عن الحل السياسي في سوريا يمثلون القوى الأكثر استخداماً للوسائل العسكرية في أرضها وسمائها وبيوتها ومدنها. وهم لا يزالون هناك بكل عتادهم ورجالهم ودباباتهم. وإذا كانت إيران وروسيا قد انتشرت عسكرياً بالاتفاق مع النظام، فإن الحكومة السورية لا تزال تندد بالاجتياح التركي لسيادتها، وأنقرة لا تزال تطالب بخروج الرئيس السوري، لكنها تجلس في موسكو إلى جانب أقرب حليفين إليه.
الخيار صعب: من تصدق، النص، أم الصورة؟ إصرار العزيز سيرغي (على نسق العزيز هنري) على الحل السياسي، أم إرسال الشرطة العسكرية إلى الغوطة؟ أم أنك لست مضطراً أن تصدق شيئاً أو أحداً. إلى اللقاء التالي والصورة التالية وهذا البحر من الرحمة: لا بديل عن الحل السياسي. ثلاثة حمائم السلام.