فاروق يوسف يكتب:

حرب ضد الحقيقة

عبر السنوات الماضية لم نسمع صوتا لجهة ما يعلن عن تأييد الإرهاب ومناصرته والوقوف معه في حربه متعددة الجبهات.

لم يقل أحد أنه يقف مع الإرهابيين في ما يرتكبونه من جرائم. يشعر المرء أن العالم كله يقف صفا واحدا في جبهة واحدة ضد الإرهاب الذي يقف وحيدا في جبهة مقابلة.

وهذا ليس صحيحا.

الدليل على ذلك أن الدول التي تدعي كل واحدة منها أنها تحارب الإرهاب تقاتل جيوش بعضها جيوش البعض الآخر مباشرة أو بطريقة غير مباشرة تحت مظلة الحرب على الإرهاب.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإرهاب الذي يصورونه هدفا لحروبهم المتشعبة كان دائما يحظى بالرعاية والتمويل ومد حبال الإنقاذ وهو ما لم يكن خافيا على الدول التي تحاربه.

فلو كانت هناك نية صادقة وحقيقية لدى تلك الدول في القضاء على ظاهرة الإرهاب فلمَ لا تؤلف جبهة عريضة ينسق بعضها مع البعض الآخر من أجل انجاز تلك المهمة التي أبيدت في الطريق إليها شعوب وهُدمت مدن وسُحقت أحلام وآمال أجيال في العيش الكريم؟

في سوريا على سبيل المثال هناك جبهة تحارب الإرهاب تضم الحكومة السورية وروسيا وإيران من خلال ميليشياتها. في مقابلها هناك جبهة تضم الولايات المتحدة وحلفاؤها هي الأخرى تحارب الإرهاب. المربك في الأمر أن الجبهتين المفتوحتين كما هو معلن على حرب على الإرهاب لا تتفقان على مفردة واحدة من مفردات حربيهما. فما يقاتله الروس يحظى بحماية أميركية وما يطارده الأميركان يدخل في نطاق المصالح الروسية.

فهل هناك ارهابان في سوريا يختلف أحدهما عن الآخر تبعا للجهة التي تحاربه؟

وفقا لذلك الاختلاف فإن الإرهاب الذي تحاربه روسيا هو ليس إرهابا بالنسبة للولايات المتحدة. العكس صحيح أيضا. فما يقع ضمن مفهوم الإرهاب أميركيا هو بالنسبة لروسيا أمر حسن لا ضرر منه ويمكن غض الطرف عنه.

أعتقد أن لعبة غامضة من ذلك النوع يمكن أن تستمر إلى أن يقضي السوريون كلهم نحبهم من غير أن تًطوى صفحات الحروب.

وكما هو معلوم فإن حروبا عبثية يمكن أن تنتج أجيالا لا تعرف سوى لغة السلاح بعد أن عبئت بالرغبة في الانتقام من آخر لا تعرف هويته ولا يهمها أن تجد مسوغا للجوئها إلى العنف ضد مجتمعاتها. وهو ما جرى ويجري في العراق. البلد الذي نُكب بالحروب والعنف والإرهاب والحرب عليه في الوقت نفسه.

ربما ستشكل الحرب على الإرهاب حاضنة لولادة إرهاب دائم.

فالعراقيون والسوريون الذين تعرضوا لإرهاب القتل والتشريد والقمع والإذلال في ظل اختلاف القوى الدولية على مفهوم الإرهاب هم ألغام جاهزة للانفجار في أية لحظة مناسبة. وهو الأدوات التي يمكن أن تُستعمل لإضفاء نوع من الحق على كل ممارسة إرهابية، سيعفي مَن يمارسها نفسه من مسؤولية البحث عن أسبابها.

فالحرب التي مورست وتُمارس الآن ضد جماعات إرهابية تنطوي الكثير من صفحاتها على قدر لافت من العبث. وهو ما يعني أن ضحايا تلك الحرب من المدنيين الأبرياء وقد صارر عددهم بالملايين انما يتعرضون لانتهاك إنسانيتهم من أجل لا شيء. وهو ما يدعو إلى الشعور باليأس والإحباط ويستدعي الخوف من ظهور جيل انتحاري، دفعته ظروفه القاهرة إلى اتخاذ العنف وسيلة لترويض العالم الشرس من حوله.

لقد غلبت الدول الكبرى التي تحارب الإرهاب مصالحها على القيم الإنسانية التي يفترض أن تلك الحرب تُشن من أجل الدفاع عنها.

وهو ما يدفع إلى الشك في كل الحقائق التي تطرحها تلك الدول من أجل أن تفسر ما قامت وتقوم به.

فهل ينفع الإرهاب لكي يكون مسوغا لشن حرب على الحقيقة؟