فاروق يوسف يكتب:

العودة إلى سوريا

إن كان العرب يرغبون حقا في العودة إلى سوريا وهو أمر طبيعي فأتمنى أن لا يتم ذلك عن طريق إرسال قوات إليها.

لا تحتاج الأزمة السورية إلى عنصر تعقيد جديد لا يحتاجه العرب أصلا.

فإذا كان العرب قد تخلوا عن سوريا في وقت سابق فلن تتم استعادتها عن طريقة المساهمة في الفوضى التي يشهدها ذلك البلد المنكوب بنظامه ومعارضي ذلك النظام ومن خلفهم القوى الإقليمية والدولية التي صارت المصالح وليست سوريا موضع خصومتهم.

لا مصلحة للعرب سوى في استرداد سوريا جزءا من المنظومة العربية.

أما أزمة الحكومة السورية مع معارضيها فهي شأن سوري كان ولا يزال داخليا عجز السوريون عن إدارته بحكمة ووطنية مما سمح للقوى الإقليمية والدولية بالتدخل وها نحن نرى سوريا، شعبا ودولة عاجزة عن التقاط صورتها الأخيرة، فمصيرها لم يعد ملكا لأبنائها.

سوريا في وضعها الكارثي الحالي لا تحتاج إلى مزيد من الجيوش. ما فيها من الجيوش والميليشيات والعصابات يكفي لتدمير عشر دول بحجمها.

تحتاج سوريا إلى عاطفة العرب وحنوهم فهي وحيدة. دولة مفككة وشعب ضائع. تحتاج إلى عقل العرب وحنكتهم واتزانهم. فهي تنزف دما وعقولا وطاقات وشبابا وثروات. تحتاج إلى إخلاص العرب وقد دمرها عدم الوفاء والجحود والتآمر الذي سمح للإرهابيين في أن يجدوا فيها حاضنة لنشاطهم العدواني الجارح للقيم الإنسانية.

غير أن الأهم في فكرة استعادة سوريا عربيا إنها ينبغي أن تنطلق من حاجة العرب إلى سوريا. حينها نكون على الطريق الصحيحة التي نستطيع من خلالها أن نقاوم التغلغل الإيراني، ليس في سوريا وحدها بل وأيضا في مختلف أنحاء العالم العربي.

سوريا النظيفة من الوجود الإيراني ضرورية من أجل أن يكتمل مشروع الأمير محمد بن سلمان في إقامة الدولة السعودية الحديثة. وهي ضرورية لدولة الامارات العربية المتحدة من أجل استمرارها في مشروعها التنويري وهي ضرورية لمصر التي استعادت مجتمعها الخلاق بعد أن تخلصت من لوثة جماعة الاخوان المسلمين.

الحاجة العربية إلى سوريا هي بحجم حاجة سوريا إلى العرب وقد تكون أكبر.

تلك معادلة لا تروق للإيرانيين والأتراك والروس والأميركيين.

فبعد ما أظهره العرب من عزوف عن محاولة تفهم الأزمة السورية وجدت تلك الأطراف فرصتها في لعب أدوار ساهمت من خلالها في تدمير سوريا وأفقدت العرب في الوقت نفسه جزءا حيويا وفاعلا منه. وهو ما حدث في العراق سابقا. ذلك البلد الذي لم يعد نافعا لأحد بعد أن فقد صلته بشعبه وبالعرب.

ما تحتاجه سوريا من العرب هو شيء آخر غير التدخل العسكري. سيكون ذلك التدخل عبثا مجانيا مضافا. لذلك فإنهم لا يحتاجون إلى البحث عن دور لهم في انقاذ سوريا. فذلك الدور موجود أصلا. وكما أرى فإن كل المعطيات على الأرض تستدعي إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية. إنه نوع من الاعتراف بالخطأ الذي ارتكب في حق الدولة السورية التي دفعت ثمنا لذنب لم ترتكبه حين قامت أزمة بين النظام ومعارضيه.

ما تم التغاضي عنه يومها أن سوريا ليست حكومتها ولا معارضو تلك الحكومة. سوريا هي وجودها السياسي الذي يمكن اختصاره في شعبها العربي الذي قدم الكثير للقومية العربية في صيغتها المعاصرة.

استعادة الدولة السورية غضوا في الجسد السياسي العربي لا يعني التغاضي عما جرى ويجري هناك من تجاوزات من جرائم ضد الإنسانية ولا يعني أن العرب يصطفون مع طرف ضد آخر بل يعني الاعتراف بحق الشعب السوري في أن يكون موجودا عربيا من خلال دولته التي من حق العرب مساءلة نظامها عما جرى ويجري بسبب سوء معالجته للأزمة.

من شأن استعادة سوريا من قبل العرب أن تعيد للسوريين شيئا من كرامتهم التي هدرت وتجعل العرب قادرين على لعب دور إيجابي هناك.