فاروق يوسف يكتب:
البيان الشيوعي لصاحبه السيستاني
انتظر العراقيون، عامة وخاصة، “سادة” و”خدما”، مسلحين ومحرومين، مرضى وأصحاء بيان المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني لتوضيح فتواه في “المجرب لا يُجرب” وهي أقصر فتوى في تاريخ الفتاوى الإسلامية.
ولم يكن ذلك الانتظار إلا إشارة جديدة من إشارات تحول العراق إلى دولة دينية، من غير أن يحتاج المعنيون بالأمر إلى أن يعلنوا عن ذلك. لقد تم تنصيب السيستاني من قبل في موقع شرفي لا تطاله الشبهات ولا يتعرض فيه للمساءلة ولا يُرد له طلب وهو ما نصت عليه ديباجة الدستور العراقي الجديد الذي حث السيستاني نفسه العراقيين على التصويت إيجابا عليه.
وليس غريبا أن يكون الولي الفقيه الجديد إيرانيا أيضا. فالعراق في حقيقته بلد واقع تحت الوصاية الإيرانية وإذا ما أردنا أن نكون أكثر صراحة فليس مطلوبا من رجل الدين أن يكون وطنيا في خضم طوفان الحركات والجماعات الإسلامية التي تجمع على إقامة الشريعة العابرة للدول بما لا يقيم وزنا للوطنية والشعور والوعي الوطنيين.
السيستاني بهذا المعنى هو زعيم أمة عابرة للوطنية. ولكن ما هذه الأمة التي تتكون من محرومين ومقموعين ومضللين ومخدوعين ومسروقين وفقراء بالرغم من ثراء بلدهم ومعزولين بالرغم من أن إمامهم صار السيد الذي ينحني له الساسة إجلالا وتستعين بفتاويه دوائر المخابرات العالمية؟
لقد انتظر البؤساء بيان إمامهم الذي اعتقدوا أنه سيكون حبل الخلاص الذي ينقذهم من الفساد الذي يحيط بهم من كل جانب ليدمر حياتهم وبقضي على آدميتهم. خيل إليهم أن ذلك الإمام الصامت سيعينهم في محاربة فقر وجهل ومرض لا يليق بشعب، تعتبر بلاده واحدة من أثرى البلدان في العالم.
غير أن السيستاني كعادته وهو مُجرب من قبل خيب آمال الفقراء من مقلديه من خلال بيان غامض لم يقل شيئا واضحا ومحددا يكن الاهتداء به عمليا حين ساعة الاقتراع. لقد أسدى السيستاني خدمة عظيمة للفاسدين حين لم يسمهم. فهو حقيقة لا يملك ما يؤهله للقيام بذلك. الفاسدون يملكون جيوشا فيما المرجعية لا تملك القدرة على إطلاق رصاصة واحدة.
الرجل أضعف من أن يواجه الفاسدين. هذا إذا افترضنا حسن نيته. ولو كانت المرجعية مخلصة لفقرائها لاعترفت بذلك العجز. غير أن ما حدث بعد ذلك البيان الشبحي هو العكس تماما.
لقد رأيت واحدا من أكبر مضللي الشعب العراقي وهو يتحدث عن بيان المرجعية باعتباره البيان الشيوعي الجديد الذي لم يكتبه ماركس. أفهم أن المغالاة والمبالغة هما طبعان عراقيان غير أنني لا أفهم كيف يصل الإسلاميون إلى مستوى قبيح من الصلافة يؤهلهم لتسويق الرذيلة والخداع والتضليل والقبح بما لا يليق بالعقل السليم.
أنا على يقين أن الشعب العراقي الذي يعز علي أن أصفه بالمسكين سيصدق كل ذلك الهراء إذا قيل في وصف بيان المرجعية، ولكنها الحقيقة التي يجب الاعتراف بها. فذلك الشعب مُختطَف طائفيا.
ليس الفاعل مجهولا هذه المرة. فالمرجعية هي التي اختطفت ذلك الشعب المسكين الذي لم يعد لديه سوى “الله” يتوجه إليه من أجل إنهاء مظلوميته. وكما أرى فإن المرجعية حين امتنعت عن تسمية الفاسدين فإنها غدرت بـ”الله” والشعب معا.
أنا على يقين من أن مَن شبه بيان السيستاني ببيان ماركس وأنجلز لم يقرأ البيان الشيوعي. ذلك لأن البيان الشيوعي بالرغم من عظمة وشعرية بلاغته وأهدافه لم يكن بيانا ديمقراطيا. وهو ما يضع ديمقراطية العراقيين بين قوسين. فإذا كان السيستاني ديمقراطيا حسب التوصيف العراقي يحق للشيوعيين العراقيين أن يخونوا شعاراتهم ويذهبوا إلى التحالف مع تيار ديني متخلف مثل تيار مقتدى الصدر في بلد لا عمال فيه.
لقد خيل للعراقيين أن السيستاني هو رجل الحل. أُوهموا بذلك بعد أن ضاقت بهم السبل. وهو الوهم الذي ساهم في صناعته ورثة ماركس في العراق. ما لا يمكن إنكاره أن الشيوعيين ساهموا في تكريس مكانة السيستاني منقذا. لذلك فإنهم لن يفاجئوا أحدا حين يبصمون بالعشرة على البيان الشيوعي الثاني الممهور بتوقيع السيستاني، إمامهم الجديد.