نورا المطيري يكتب:

لغة الكبار

البيان الخجول الصادر عن الخارجية القطرية بشأن القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وبشأن العقوبات الأميركية على إيران وضع الدبلوماسية القطرية «المرتبكة» في موقف أكثر حرجاً أمام «جميع الأطراف» من موقفها لو أنها اختارت الصمت أو اختارت أي موقف غير موقف الحياد في ظاهره، والخوف من إيران في باطنه.

المستهجن في الرأي القطري هو الدعوة لـ«تبني لغة الحوار بين الأطراف الدولية المختلفة، بالإضافة إلى ضبط النفس والتعامل بحكمة مع الموقف ومحاولة تسوية الخلافات القائمة من خلال الحوار»، وهذا الرأي يخالف الحقيقة القاسية أن حجم قطر الصغيرة لا يتيح لها أن تتحدث لغة الكبار ولغة ضبط النفس، أو أن تصدر بياناً من أصله، فهي واقعة بين مطرقة إيران والسندان الأميركي، بين التبعية لنظام الملالي والحرس الثوري، وبين قاعدة العديد الأميركية.

ماذا لو انتبهت الإدارة الأميركية لتصريحات الخارجية القطرية بشأن الاتفاق النووي الإيراني وما يتعلق بالدعوة لـ«ضبط النفس»؟! أتوقع أن يستأذن الرئيس الأميركي الشاعر علي الخوار والفنان حسين الجسمي ويغرد على تويتر: «قولوا لقطر لا توصل لحد الخطر، لابد من نقطة على آخر السطر، أما العذر ما عاد للخاين عذر».

اللافت في بيان الخارجية القطرية هو الاعتراف الصريح بعلاقاتها السياسية والتاريخية والجغرافية بإيران، أي أنها أرادت أن تقول، بكل وضوح، إن علاقة العبودية التي تربطها بإيران ستجعلها في وضع حرج جداً أمام مولاها الخامئني لو أنها ساندت القرار الأميركي، لكنها بشكل أو بآخر راهنت على أن الإدارة الأميركية، وفي خضم انشغالها بمسائل أكثر أهمية، سواءً إيران نفسها أو مع كوريا الشمالية، لن تنتبه لـ«الفأر الذي رأى الخيل ذاهبة لوضع حدوات فمدّ قدمه».

ما حدث أن الإمارات والسعودية، وفور صدور القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي 2016، تحدّثا لغة الكبار، الذين لا يخشون إيران ولا يأبهون لها، لا يعنيهم غير موقفهم الأصيل تجاه إيران وسعيها الإرهابي لامتلاك أسلحة نووية تهدد بها جيرانها، فأعلنوا موقفهم القديم المتجدد الصارم الحاسم، الذي كان ولا زال ضد الاتفاق النووي 5+1 لعام 2015، وبالتالي أعلنوا بكل وضوح مساندتهم للموقف الأميركي بالانسحاب من هذا الاتفاق.

هكذا هي لغة الكبار، فالإمارات والسعودية، ومع أنهما مرتبطتان بعلاقات وثيقة مع الدول الخمس (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، الصين، روسيا) ويعلمان أن هذه الدول ما زالت تحاول المحافظة على «اتفاق لوزان النووي 2015»، إلا أن الواثق يقول رأيه ويعلم أن الطرف الآخر سيحترم رأيه وسيادته على رأيه وقراره، لذا فإن علاقة الإمارات والسعودية بهذه الدول، في جميع النواحي الأخرى، لم ولن تتأثر؛ لأن الكبار يفكّرون هكذا، ويحترمون رأي بعضهم بعضاً، في أكثر الأحوال تعقيداً ومهما تداخلت المصالح واختلفت الآراء.

الصغير يفكر بطريقة أخرى، يسيطر عليه الخوف ويخشى مما يمكن أن يحدث، كطفل ساذج، يرى الكبار يتناقشون فيظنهم يتقاتلون، يحاول أن يتدخل، أو يدسّ أنفه، فيفسد كل شيء، يحاول أن يرفع صوته ويصرخ، فينظرون إليه نظرة غاضبة مستهجنة فيسكت خوفاً، يدور حول الكبار ويحاول أن يمر بينهم علّهم يلاحظونه فيبعدونه أو يطردونه خارج مجالسهم.

قطر ومنذ أن استولى تنظيم الحمدين على الحكم فيها، أصبحت هكذا، حاولت أن ترفع صوتها فلم يأبه لها أحد، ظنت أن قناة الجزيرة ستجعلها كبيرة، فراحت تتحدث وتصرخ، تلفّ وتدور، تبحث عن ثغرة لتثبت أنها جزء من هذا العالم، لكنها وجدت نفسها صغيرة، عالقة في عالم يتحدث فيه الكبار فقط.