سمير عطا الله يكتب:

هل الشعوب لا تحب الحرية؟

هناك ألوف الدراسات حول نفسية الجماهير. جميعها صحيح، ولكنها متناقضة، لأن الجماهير ليست واحدة، ولا عصورها واحدة. ولذلك، قررتُ منذ سنين ألاّ أفهم. فقط أدوِّن. تابعتُ أحداث الاتحاد السوفياتي وروسيا منذ ربع قرن بالشغف والخوف والتأمل والخيبة والتمني، مثل أي إنسان حول العالم. فسقوط الشيوعية زلزال مركزه في موسكو ورجّاته حول الأرض.
يومها، عدَّد ميخائيل غورباتشوف لشعبه ما حصل: «لقد أصبحت الانتخابات الحرة حقيقة، وبسطت حرية الصحافة وحرية العبادة، وتعامل حقوق الإنسان اليوم كمبدأ سام وأولوية كبرى. إننا نعيش اليوم في عالم جديد. لقد انتهت الحرب الباردة وسباق التسلح، وانفتحنا على بقية العالم، وتخلينا عن سياسة التدخل في شؤون الآخرين، واستخدام جنودنا خارج البلاد».
ماذا تتوقع أن يكون رد فعل الشعب الروسي؟ طبعاً، التصفيق والفرح. لكن الروس عزلوا أول ديمقراطي في تاريخهم الطويل والمعتم، وصفقوا لرجل محب للفودكا (يلتسن) ومستسلم كلياً للغرب. وبعده، ساروا أربع ولايات متتالية خلف الرجل الذي أعاد الحرب الباردة، وسباق التسلح، وإرسال الجنود إلى الخارج، من أوكرانيا إلى سوريا.
لم تتجاوز شعبية غورباتشوف الخمسة في المائة، وعاش بعد خسارته أمام يلتسن معزولاً ومهاناً مثل أبطال مؤلفه المفضل دوستويفسكي. لم يشكره أحد على الحرية، ولا على الديمقراطية، ولم يتذكره أحد عندما صار المعارضون يسقطون بالرصاص في ظروف غامضة، لا تتبعها اعتقالات، أو محاكمات، أو قرار اتهامي.
هل هو الحنين إلى المرحلة السوفياتية؟ هل الناس لا تحب الحرية أو تفزع منها؟ هل هذا ما هو مقبل عليه عالمنا؟ موجة طويلة من الرؤساء الشعبويين الذين ليس على جداولهم أي من القيم المعهودة؟
أخشى ذلك: الرئيس الأميركي يتفرد بالقرار مثل الرئيس الروسي. وأيام السوفيات، كان على الرئيس أن يعرض قراراته أمام اللجنة المركزية ومجلس السوفيات الأعلى والمكتب السياسي. والآن، لا لضرورة لأحد، ولا لشيء.
بين حين وآخر، أقرأ الصحف الروسية الصادرة بالإنجليزية، ومنها «البرافدا». لا شيء تغير عن اللهجة السوفياتية. لا شيء. طبعاً، أصبحت بالألوان، وامتلأت بصور الروسيات الجميلات، وزاوية التعارف! لكن كتّاب المقال الافتتاحي لا يزالون يقرأون في خطب لينين.
مر ميخائيل غورباتشوف عابراً في أرض اعتادت القياصرة، زرقاء وحمراء وبين بين.