د. قاسم المحبشي يكتب:

حينما تُغتال نجاة وبأي ذنب قتلت!

لم أصدق ابدا هذا النباء الكارثي، اغتيال الدكتورة نجاة على مقبل عميدة كلية العلوم بجامعة عدن وولدها سامح وحفيدتها، أيعقل هذا؟ أتمنى أن لا يكون الخبر صحيحا ولكنني حينما كتبت لها تهنئة بمناسبة قدوم رمضان الكريم قبل ثلاث ساعات لم تجبني، وقد عودتني فيما مضى الرد السريع على رسائلي بالواتساب، فهي من أعز الزميلات دفعتي منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، عرفتها اختا عزيزة ومثالا للوقار والثقة وقوة الشخصية والصبر والتواضع والود والاحترام وطالبة مجتهدة في قسم العلوم ، وكنا هي وانّا من الحائزين على النجاح بمرتبة الشرف والحاصلين على ميدالية التفوق العلمي بيعد العلم، تعينت معيدة بعد التخرج مباشرة وكانت من أكفاء وأجود الأكاديميين في الجامعة. 

اغتيل زوجها في حرب الرفاق الكارثية 13 يناير 1986 بعد الزواج بمدة قليلة، وحملت منه ولدها الوحيد المهندس سامح من أفضل المهندسين في عدن، فكانت هي الأب والأم للولد الوحيد، الذي اغتيل والده قبل مولده، بينما كانت نجاة في ربيع عمرها، فأنذرت حياتها في تربية وتعليم وحيدها ولم تفكر بالزوج ابدا! كنا نسميها المرأة الحديدة، إذ تجبر كل من عرفها على احترامها، كانت تعتبرني بمثابة اخوها، وتكن لي وأكن لها عميق التقدير والاحترام، كلما وجدتها بين الفينة والأخرى اسألها عن أحولها وهي تحمد الله وتشكره على كل حال، وسعيدة بحفيديها، قبل ستة أشهر تقريبا، زرتها للمرة الأولى في مكتبها بصحبة المهندس عبدالسلام عبادي جبران، وفي اجتماع مجلس الجامعة الذي أقرت فيه ترقيتي الى الاستاذية كان لقاءنا الأخير، وأتذكر أنها أول المهنئين، هنئتني بحرارة مشفوعة بالمودة الأخوية الصادقة. 

قبل أربعة أيام كتبت تسألني عن موضوع تهديدي بعد أن تسرب الخبر في وسائل الإعلام ووسائط الاجتماعي، إرسلت لي الخبر المنشور واعقبته بسؤال ( ماصحة هذا الخبر ، وصلني من أحد الجروبات) أوضحت لها الأمر ، فردت بهذا الدعاء (ربي يحميك أخي ويبعد عنك كل مكروه ، وباذن الله سيتم التعرف علی المهددين ) فكان ردي هو التالي:( انشاءلله بس للأسف ما فيش مؤسسات في عدن عصابات كثيرة)فعقبت بالعبارة التالية: 

(( صدقت أخي والله كم يحزننا ما آلت اليه الاوضاع في عدن وضياع دور المؤسسات في ظل إنفلات امني وتعدد اطراف لا ندري الي اين سيوصلون. أنشاء الله القادم افضل)) تلك كانت رسالتها الأخيرة! وقبل ساعات علمت إنهم اغتالوها هي وابنها الوحيد سامح وابنته في منزلهما بمدينة إنماء، الف رحمة ونور تغشاهما،أنا مصدوم بهذه الفاجعة الكارثية ولا ادري ماذا اقول حاسس بقهر خانق. وهذه أخرتها مع العصابات في عدن! ياالهي كم هذا المصاب جلل ومفزع واليم، ماذا يبقى في عدن بعد إغتيال النجاة؟! بهذا المصاب الجلل أعزي نفسي وأهلها الكرام وأعزي جامعة عدن والوطن لا حول ولا قوة الإ بالله ، لروحك السلام والطمئنينة أختنا العزيزة نجاة، نسأل الله تعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته، وفسيح جناته، وأن يلهم أهلها وذويها الصبر والسلوان. ولا نامت أعين القتلة والمتخاذلين.