بكر أحمد يكتب لـ(اليوم الثامن):
( علي محسن .....لماذا الان ؟ )
الان وبعد حالة التشفي التي حصلت لعلي محسن، دعونا ننظر للأمر من خلال منظار تحليلي قدر المستطاع، وللننظر له من داخل الحقل المعرفي والثقافي السائد في المنطقة، وبغض النظر عن اتفاقنا مع ذلك الحقل او مخالفتنا لها.
فتوقيت المقابلة ثم ما طرح بها لهو امر يستحق النظر به بعمق اكبر من حالة الهيجان والتنابز بين الأطراف، فهناك شيء سيحدث او ربما حدث، وما قاله السفير هي مخرجات لأحداث سياسية كثيرة.
وعلنا نتذكر ان آخر الأحداث السياسية هي قضية سقطرة والتي دفع بها تنظيم الإصلاح كل ماكينته الإعلامية تجاهها وبقوة، ورغم ان السعودية تدخلت بكل ما لديها من نفوذ لإغلاق هذا الملف مع دعم مالي سخي للجزيرة، إلا ان أطرافا في الحكومة الشرعية استمرت بتصعيد الأمر وكأن شيء لم يحدث.
أولا يجب ان نؤكد بان العلاقة بين الأمارات والسعودية أعمق بكثير مما يعتقد بعض المتذاكين وان مصالحهم المشتركة تتجاوز اليمن بمراحل كثيرة، فهم اتفقوا على من هم أقرب لهم منا وأعلنوا موقفا صارما ضدها، وها هي قطر وقد مر عام على مقاطعتها ومازالت تعاني كثيرا جراء ما حدث لها، قطر التي تمتلك الأرض والسيادة والنفوذ الدولي والمال والعلاقات العميقة مع دول الخليج، وجدت نفسها دولة منبوذة من محيطها الطبيعي، فما بالك باليمن التي هي حاليا بلا دولة ولا حكومة وتمزقها الحروب والمجاعات، بالتأكيد المقارنة بين قطر واليمن هي مقارنة ظالمة ، ولكن لا بد منها حتى يعرف الجميع حجمه الحقيقي في خضم هذه الأحداث.
علاقة السعودية بالأمارات لا يمكن لتنظيم مثل الإصلاح ان يتدخل بها اعتقادا منه بانه سيزحزحها او يثير الشك بينهم، هذا فكر ووعي طفولي لا أقل ولا اكثر، وعليه فان قضية سقطرة التي ظن ذلك التنظيم المتغلغل في مفاصل الشرعية أنه يستطيع ان يجعل منها أداة له، هو امر نستطيع ان نقول عنه انه مستحيل.
ولنعد الان إلى عملية التشهير التي حدثت لعلي محسن وهو التي يتقلد ثاني اعلى منصب في حكومة الشرعية، وكيف تم التحدث عنه بطريقة أقل ما يقال عنها بأنها مهينة، فحسب العرف السائد في الحقل الثقافي في المنطقة فأن تشبيه الرجل بالمرأة هي إهانة لا تحتمل، وهذا امر يدركه السعوديون جيدا واليمنيون أيضا، ومع ذلك ظهر السفير السعودي على أحد اقوى القنوات الإعلامية ليقول بأن علي محسن فر وهو يرتدي ملابس النساء.
هل لهذه " النكزة " علاقة بأحداث سقطرة، وهل لعلي محسن يد في كل هذا التصعيد، وخاصة ان الجميع يعلم بان هذا الرجل دائما يعمل بصمت وخلف الكواليس، ويبدوا ان الرياض وابوظبي على إطلاع تام بتحركاته التي أصبحت أكثر من مزعجة لدرجة أنها بدت وكأنها تريد ان تشغل التحالف بالهوامش وإشغالهم عن المعركة الحقيقية ضد الحوثي.
حدثت مشكلة سقطرة وتدخلت السعودية، ورضيت الحكومة الشرعية بالحل الذي تم الاتفاق عليه، وكان من المفترض ان يتم طوي تلك القضية، ولكن تلاحظ لنا ان التصعيد استمر من عدة جهات حكومية، فوزير الداخلية لم يهدأ ابدا، وتحدث السفير اليمني في اليونسكو عبر قناة الجزيرة بنفس اللغة المعادية للتحالف، كما أستمر الإعلام الموازي لتنظيم الإصلاح بشن الحملات بطريقة تصادمية، وأخيرا يظهر المقدشي ليعلن وبكل صراحة بأنه لا نية لتحرير صنعاء لأنها مدينة تاريخية.
أي شخص متابع لواقع الحكومة الشرعية في الرياض يدرك جيدا بان هادي غير قادر على القيام بمثل هذه الأمور، وان هنالك رجل قوي وضع يده على هذه الحكومة وبات يلعب بها على أكثر من وتر، وبالتأكيد فأن الأنظار حينها ستتجه إلى علي محسن وتنظيم الإصلاح الموالي له، وربما تصريح السفير السعودي جاء ضمن هذا السياق التذكيري والذي يوحي بأن هذا فقط مجرد البداية فان لم ترعوي هذه الحكومة وتدرك حجم المسئوليات الحقيقية المناطة بها تجاه كثير من الأمور التي تمس المواطن اليمني أولا، فأنها ستسخر الكثير.
تنقص الحكومة الشرعية النظرة البرغماتية وتفتقر إلى أدوات ممارسة السياسة ضمن فن الممكن، فالكيان الذي يدرك حجمه وإمكانيته يستطيع ان يؤثر أكثر من الكيان الذي يعتقد بانه يمتلك أشياء هو لا يمتلكها فعلا، وهذا ما ينطبق على حكومة هادي التي وحتى الان لم تستطيع ان تعود إلى أي منطقة محررة في اليمن، وذلك لمعرفتها الحقيقية بحجمها، وأنها باتت تشكل عبئ على اليمنيين وربما خصم لدود لهم في كثير من المناطق.
ربما علي محسن سيفهم الرسالة جيدا، ولكن الذي لا نستطيع ان نجزم به، هل سيعيد النظر في سياسته أم انه سيستمر برعونته التي ظلت ملازمة له رغم عمره المديد في الحقل السياسي.