مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن):
الصحة النفسية في اليمن والإهمال الرسمي
وفقا لمنظمة الصحة العالمية بحلول عام 2020 , سوف تدخل الاضطرابات النفسية ضمن الأمراض الخمسة الأولى , التي تؤدي بالفرد إلى عدم القدرة على العمل و زيادة نسبة الجريمة في العالم , وفي اليمن الاضطرابات النفسية على قفا من يشيل , إشكال وألوان من الإعاقات الذهنية والعصبية , ومن الضروري اليوم أن تقوم الدولة بإعطاء أهمية قصوى ومكانة للطب النفسي وللتوعية والإرشاد بشأن الأمراض النفسية , خصوصاً من اجل الفترة القادمة , مرحلة ما بعد الحرب كي لا تحدث بعض الجرائم و المآسي جراء إهمال الكشف والمعالجة المبكرة عن الاضطرابات النفسية .
الاضطرابات النفسية , هي تغييرات حادة أو جذرية في عقلية أو سلوك الشخص , نتيجة تجارب وأحداث نفسية أو عاطفية مؤلمة , قوية , عميقة و قاسية , مثل الحروب والتعرض للعنف المجتمعي أو الأسري والتعرض لصدمات شديدة في الحياة و الإفراط في تناول القات , والفقر والتوتر في العمل والبطالة وخطابات الكراهية والكحول والحبوب المخدرة ,هذه هي ابرز مسببات الإمراض النفسية , وجميعها وغيرها كثيرة لم اذكرها موجودة في اليمن , وهناك نسبه عالية من المرضى النفسيين , يعانون من الاضطرابات النفسية والعقلية, التي بدأت تبرز ملامحهم على سطح الواقع اليومي بشكل ملفت و مخيف , ففي عدن مثلا أخ يقتل أخاه من اجل قنينة ماء , وأسرة كاملة تُقتل بسبب الشك بها في مخالفة المذهب الديني ,و اغتصاب طفل وتقطيعه شاركت في الجريمة أسرة بكاملها , بسبب نزوة قذرة لشخصين من العائلة, وفي الشمال سبعة أشخاص في مدينة أب الخضراء الجميلة قتلوا ضحية ربطة قات , وآخرين في صنعاء يشتبكون بالسلاح الناري فيما بينهم أثناء تشيع جنازة على قضية ثأر ومقتل ثلاثة بالإضافة لعدة جرحى , وفي تعز الحوثيين يقتلون المدنيين قنصا ويعتبروهم أهداف للتسلية والتعليم , وهناك جرائم كثيرة تقشعر لها الأبدان لا تذكرها وسائل الإعلام , بسبب كثرتها وأسبابها التافهة , ولكن هذه الأسباب تخفي حقيقة مخيفة , ألا وهي انتشار الإمراض الذهنية والعصبية في اليمن , التي لم تعطي ألدوله هذه النوع من الأمراض , حتى الآن الاهتمام العام والحكومي ,الأمر الذي تسبب في ضعف قطاع الصحة النفسية, وألان الوضع يسير نحو ألا سواء و بحاجة إلى تغيير وإستراتيجية واضحة للنهوض بقطاع الصحة النفسية واتخاذ مجموعة من التدابير لزيادة الوعي لدى المواطن بمخاطر هذه الإمراض و للوقاية العاجلة من زيادة انتشارها , خاصة وإننا على مشارف نهاية حرب , التي ستُخرج دفعة جديدة من مرضى هذه الاضطرابات تضاف إلى أعداد كثيرة قد سبقتهم تعتبر هذه الإمراض وصمة عار , وكثير منهم لاجئو إلى الرعاية النفسية فقط في الحالات الأكثر تطرفا , وعدد كبير منهم يفضل أن يظل في البيت دون فحص أو معالجة مؤهلة , أو يلجئون إلى المشعوذين , الذين يتزعمون الميثولوجيا المحلية وفكرة أن كل مريض نفسي وعقلي سببه مس شيطاني.
من الضروري الاستعداد من ألان لتحسين وتوفير العلاجات وتأهيل المستشفيات للمرضى النفسيين ونحن على نهاية حرب عنيفة مليئة بخطابات الكراهية والثأر, عانى منها المدني والجندي القادم من جبهات القتال والجميع بحاجه إلى رعاية واستشارات طبية نفسية , قبل أن يتحولوا إلى خطر على ألدوله ذاتها و الناس والأقارب , وبعدها ينظموا إلى جيش المكتئبين أو إلى بعض المجانين المتواجدين في الشوارع , من منا لم يشاهد بعض المرضى النفسيين بثيابهم الرثة يفترشون الأرض والطرقات وسط حالة من التعاطف والخوف منهم , و آخرين يتجولون معنا في الشوارع ويعرضون أنفسهم والآخرين للخطر , مع أن مكانهم الطبيعي ليس الشارع ,وإنما في مستشفيات الأمراض العقلية بما في ذلك ( المستشفيات المغلقة) , فهؤلاء في الغالب هم ضحايا إهمال الدولة و شيوخ الجهل و الشعوذة , الذين يمارسون الدجل في كثير من المدن والمحافظات, لان أرزاق هؤلاء الشيوخ من هؤلاء الضحايا النفسيين , شيوخ يوهمون المرضى بأن علاجهم بيدهم وأن مرضهم عبارة عن مس شيطاني وهم أناسا اتقيا وصالحين و الشياطين تخافهم , وترتعب من الضرب والتعذيب و الاهانة والبصق الذي يمارسوه فوق المرضى , مع أن تناول بضع حبات من مضادات ألاكتئاب أو أدوية ألأعصاب من البداية , قد تكون شافية للمريض دون الحاجة لكل تلك الطقوس القاسية والمهينة من قبل شيوخ الجهل , التي بدأت تختفي تدريجياً في كثير من الدول العربية وفي اليمن تزداد حضورا.
للأسف , حتى اليوم القيادات السياسية والصحية الشرعية هنا وفي السعودية لم تناقش مسائلة تطوير قطاع الصحة النفسية والعلاج النفسي في اليمن لا مع نفسها ولا مع الأشقاء في الخليج , وهو جانب لا يقل أهمية عن بقية قطاعات الصحة , مما يستدعي السؤال عن , ما هي مكانة الصحة النفسية لدى القيادات السياسية في اليمن ؟ وهل تعترف هذه القيادات بمشاكلها النفسية ؟, هل تعرف هذه القيادات أن منظمة الصحة العالمية تُعرف الصحة النفسية بأنها جزء أساسي لا يتجزأ من الصحة ؟ هل تعرف هذه القيادات أن هناك نسبة كبيرة من اليمنيين يعانون من اضطرابات نفسية متفاوتة تتراوح بين القلق والاكتئاب والخوف وانفصام الشخصية , قد تتحول في غياب الرقابة والمتابعة الطبية النفسية , إلى ظاهرة مرضيه كبيرة نفسية وعقلية حادة وخطره على المجتمع ؟ .
أتمنى أن تعي الناس والقيادات السياسية, التي تفرق بين الصحة النفسية والجسدية و تعطي ألأولوية دائما للأخيرة على حساب الأولى , أن الاهتمام بالنفس مهم جدا مثل الجسد , فالناس تهتم بالجرح الجسدي و تهمل الجرح النفسي , لأنه غير مرئي و تنكر وجوده ومن هنا يبدءا مسلسل المعاناة مع المرض النفسي .