فاروق يوسف يكتب:
من شرفة المقاومة يطل الفاسدون
يرغب حسن نصرالله ومن خلفه حزب الله اللبناني في فرض مفهومه الشاذ عن المقاومة على الجميع، رغبوا في ذلك أم أبوا.
ولأن نصرالله لا يُخفي ارتباطه بالوصاية الإلهية المقيمة في قم، فإن مفهومه عن المقاومة لا يمكن فهمه واستيعابه إلا من خلال العودة إلى مرجعياته، وهي مرجعيات إيرانية خالصة.
وكما أرى فإن إيران قد استغفلت اللبنانيين باسم المقاومة حين أطلقت مشروعها المتمثل بحزب الله، الذي اعترفت بعد ربع قرن بأنه لم يكن إلا ذراعا من أذرعها المتعددة في المنطقة.
لقد احتفى اللبنانيون بانتصار عام 2000، لكنهم كانوا على موعد مع افتضاح أمر المقاومة يوم أودى بهم حزب الله إلى كارثة حرب 2006. كانت تلك الحرب التي أوقع المقاومون لبنان في شباكها حربا إيرانية بامتياز.
عام 2006 اكتشف اللبنانيون أن حسن نصرالله كان المعادل الإيراني لأنطوان لحد الإسرائيلي. كلاهما لبنانيان غير أن كل واحد منهما يمثل مشروعا أجنبيا، من شأن تنفيذه أن يلحق بلبنان دمارا شاملا.
فشل مسعى لحد ونجح مسعى نصرالله عام 2000، غير أن لبنان كان هو الخاسر في مقابل الإعلان عن تحول غير متوقع في الصراع.
فبدلا من أن يحسم لبنان نزاعه مع إسرائيل بعد تحرير جنوبه انفتح حزب الله على صراع إيراني-إسرائيلي يجري على الأراضي اللبنانية وكان على لبنان أن يكون جزءا من ذلك الصراع الذي لا ناقة له فيه ولا جمل.
يومها انتقل حـزب الله من مرحلة المقاومة اللبنانية إلى مرحلة المقاومة الإيرانية. ومن الطبيعي ألا تنحصر المقاومة الأخيرة بإسرائيل، ذلك لأن إيران وهي دولة منبوذة تقاوم العالم كله ومنه العالم العربي. وبهذا اكتسب حزب الله صفة أممية في مقاومته التي كان على لبنان أن يتحمل أعباءها.
ليس غريبا والحالة هذه أن يشبه أحد كتاب صحيفة محسوبة على حزب الله الإرهابي عماد مغنية (واسمه الحركي الحاج رضوان) بتشي جيفارا. علما أن ذلك الـ“مغنية” لم يكن إلا عميلا إيرانيا بالمعايير القانونية.
لقد انحرف نصرالله من خلال تحرير الجنوب بلبنان إيرانيا، بدلا من أن ينحرف أنطوان لحد به إسرائيليا لو قيّض له أن يوسع دويلته.
أحكم حزب الله طوقه على رقاب اللبنانيين بمفهوم كاذب عن المقاومة، تبين في ما بعد أن الغرض منه إلحاق لبنان بدولة أجنبية هي إيران.
من المؤلم فعلا أن يوصف المقاومين بالعملاء ولكنه الواقع الذي يفرض حقائقه بمرارة وقسوة.
هناك شباب لبنانيون يُقتلون في سوريا منذ ست سنوات سحرتهم فكرة أن يكونوا جزءا من المقاومة اللبنانية، فإذا بهم يُقتلون باعتبارهم بيادق تستعملها إيران في حربها من أجل أن تهيمن على دمشق. كانوا “شهداء” قضية ليست هي القضية التي انتموا من أجلها إلى حزب الله.
لقد ضللهم حـزب الله بسحر المقاومة التي لم يبق من مفرداتها إلا ما يشير إلى التبعية والخنوع لأوامر الولي الفقيه الإيراني.
كان محور المقاومة كما يُسمى في حاجة إلى أن يرتبط به كبير سحرة الفساد في العراق لكي تكتمل حلقته ويُفتضح أمره.
ولكن تبني حزب الله لفاسد مثل نوري المالكي لم يكن شأنا طائفيا وإن بدا كذلك. فالطائفية السياسية هي الأخرى وصفة إيرانية خبأت وراءها “المقاومة” أهدافها العدوانية التي كان فساد المالكي عنوانا لواحد من أهم جوانبها.
لقد فعل المالكي ما هو مطلوب منه باعتباره مقاوما حين عاث بالبلاد فسادا.
لقد رفع المقاومون العرب في حزب الله وفي حركة حماس الإسلام راية لهم، فيما كان المالكي رائد المشروع الإسلامي في العراق.
لقد استعملت إيران الإسلام المقاوم واجهة للتضليل المزدوج. فمن خلاله ألبست شياطينها الفاسدين لباس الملائكة القادمة بمشروع الخلاص السماوي، في الوقت الذي كانت فيه توسع من دائرة تغلغلها في المجتمعات العربية من خلال غواية الشباب بفكرة المقاومة التي تهبهم موتا سعيدا من خلال الشهادة المجانية.
من اليسير القول إن مقاومة تعلي من شأن المالكي هي مقاومة فاسدة. غير أن ما خفي من الأضرار التي ألحقتها تلك المقاومة بالمجتمعات التي ابتليت بها كان أعظم.