نظام الملالي والشعوب الإيرانية

في إيران دولة عقائدية بفكر شمولي وهيمنة عسكرية. تلك مشكلة شديدة التعقيد في عصرنا الذي تفوقت الإنسانية فيه على العقائد.

لم يعد الفكر الشمولي صالحا للاستعمال البشري في عصر أصبحت فيه المعلومات متاحة في كل لحظة. كما أن الهيمنة على المجتمع عن طريق السلاح وهو في الحال الإيرانية سلاح الحرس الثوري هي الأخرى لا تنفع في ظل تنوع قدرة المجتمع على ابتكار وسائل مقاومته.

لقد راهن نظام الملالي على حصانيْ الجهل والفقر في مواجهة التعليم والتفكير في العدالة الاجتماعية. رهان خاسر حاول ذلك النظام القفز عليه من خلال اختراع العدو الخارجي. وهنا ينبغي الاعتراف بالذكاء الذي تنطوي عليه تلك الخطوة.

فالإيرانيون، موالاة ومعارضة، لا يميلون إلى التغيير السياسي في بلادهم عن طريق التدخل العسكري من قبل طرف خارجي، بغض النظر عن أهداف ذلك الطرف في تدخله.

الإيرانيون على اختلاف مشاربهم الفكرية يعتبرون ما يجري في بلادهم شأنا داخليا، يخصهم بالرغم من أنه يلقي بظلاله على مصير المنطقة برمتها. ذكاء النظام الإيراني يكمن في أنه استعمل الشعور الوطني العميق في صدقه لدى الإيرانيين من أجل الإيحاء بأن كل ما يهدد وجوده داخليا، إنما يجري بالتنسيق مع قوى أجنبية تمهيدا لتدخل تلك القوى في شأن، يجمع الإيرانيون كلهم على أنه من اختصاصهم.

النظام الذي يستعمل الوطنية من أجل إطالة عمره هو في حقيقته ليس نظاما وطنيا. ذلك لأنه ربط وجوده ومنذ البدء بمشروع تصدير الثورة الذي أعلنه مؤسسه الخميني باعتباره الرئة التي تتنفس الجمهورية الإسلامية في إيران من خلالها هواء العالم.

من وجهة نظر الخميني فإن الإسلام، وليس إيران، هو فضاء هوية النظام الذي صار على الإيرانيين أن يتحملوا أعباء مغامراته التي صارت كلفتها أكبر من قدرة الاقتصاد الإيراني على تحملها.

وكما أرى فإن النظام الإيراني تاجر بالوطنية الإيرانية من خلال اختراع عدو خارجي، كما تاجر بالدين من خلال عكوفه على طائفيته.

تلك حقيقة يعرفها الإيرانيون جيدا، بالرغم من أن نظام الملالي يسعى إلى التغطية عليها من خلال الإعلان عن تفوقه في مجاليْ إنتاج المزيد من أسلحة الدمار الشامل وتمكنه من فرض سيطرته على عواصم عربية، كان الخميني يحلم في وضع يده عليها.

ما لا يفكر فيه نظام شمولي مثل النظام الإيراني هو ما يحتاجه البشر الذي كُتب عليهم أن يكونوا تحت مظلته. سواء كانت تلك المظلة تحمل اسم الولي الفقيه الذي قرر أن يفرض وصايته على الشيعة حول العالم، أو أنها تحمل شعار البرنامج النووي الذي هو مقدمة لحرب إيران على العالم.

ما صار واضحا بالنسبة للإيرانيين أن النظام الذي عزلهم عن العالم وجعل إيران دولة منبوذة لا يمكنه أن يقدم بدائل معقولة على مستوى العيش الذي تطمح إليه الشعوب في عصرنا. إنه نظام رث ومتخلف في سلوكه كما في أفكاره.

لقد حاول ذلك النظام مرات عديدة أن لا يقع في مصيدة الحرب، لا رغبة منه في تجنيب الشعوب الإيرانية استعادة تجربة الحرب مع العراق، بل لأنه كان ولا يزال يخشى أن تؤدي حرب جديدة إلى سقوطه. غير أنه لم يتخلص من هوسه بفكرة أن الحرب هي النسغ الذي يمده بالحياة.

وإذا ما كان نظام الملالي قد وظف ثروات إيران في خدمة مشروعه الظلامي، فإنه لن يكون قادرا على جر الشعوب الإيرانية إلى الموقع الذي تكون فيه خاضعة لخرائطه السياسية التي تستند أصلا على فكرة العدو الخارجي.

ذلك لأن إيران في ظل النظام الذي أسسه الخميني هي التي أعلنت الحرب على العالم. وليس من باب الصدفة أن لا تعترف المعارضة الإيرانية بحق النظام في امتلاك الأسلحة النووية.

فمَن يفكر في مستقبل يليق بشعوب إيران التي تتوق إلى الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية لا بد أن يطوي صفحة نظام الملالي بكل ما حفلت به من وقائع مخزية وأفكار ظلامية وسلوكيات منحرفة ومتخلفة وهمجية.

تستحق الشعوب الإيرانية حياة أفضل من تلك التي اخترعتها الآلة الحربية التي اخترعها نظام آيات الله وجعل من دماء الشباب الإيرانيين زيتا لإدامتها.