فاروق يوسف

إسرائيل وإيران: لعبة الشكوك والضغوط

ما لم تعلن إسرائيل عن خسائرها جراء القصف الإيراني فإن الشكوك تظل تحوم حول جدية ما فعلته طهران.

ولأن الخسائر لا تُخفى فستكون إسرائيل مضطرة إلى التعامل مع الأمر باحتراف وصراحة. على الأقل لتظهر بمظهر الضحية.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن تأخر إيران في الرد بعد تصريحات متباينة في قيمتها اتفق أصحابها على أن إيران ليست مضطرة إلى الدخول مباشرة في حرب، تجد أن مقاومتها لا تزال تملك الكفاءة على خوضها، ذلك التأخر قد يشير إلى أنها كانت تفاوض الأميركان على حاجتها إلى الرد، من غير أن يكون ردها مكلفا.

يمكن القول إن إيران قد فعلت ما أظهرها دولة قادرة على الدفاع عن مصالحها أما الحرب في غزة ولبنان فإنها ستستمر إلى أن تتأكد إسرائيل من أن سكانها صاروا في سلام

هناك سابقة لا تُنسى. حين ردت إيران على مقتل قاسم سليماني بقصف قاعدة عين الأسد الأميركية داخل الأراضي العراقية كان ردها متفقا عليه مع الولايات المتحدة، بحيث لم يؤد القصف إلا إلى أضرار مادية.

لا يزال الوقت مبكرا للحكم النهائي. غير أن إيران التي سبق لها أن تعرضت لهجمات إسرائيلية قاتلة أدت إلى تعطيل برنامجها النووي وقتا ليس بالقصير كانت قد هددت بالرد لكن في الوقت الذي تختاره. وهو ما يعني أنها كانت مصممة على ألا تنجر إلى حرب لا تكون إسرائيل فيها سوى الجزء الظاهر أما الجزء الخفي فهو الغرب كله وفي مقدمته الولايات المتحدة. وهي على حق في ذلك.

قبل أن تطلق إيران صواريخها أول أمس كانت الولايات المتحدة قد أكدت أن كل المؤشرات تشير إلى أن إيران ستقصف إسرائيل بصواريخ باليستية. وبناء على تلك المعلومات صرح الرئيس الأميركي جو بايدن بأن الولايات المتحدة مستعدة لخوض الحرب مع إسرائيل.

لا أعتقد أن إيران تجهل ذلك.

غير أنها تعرف ما لا يعرفه الآخرون عن حقيقة الموقف الأميركي المساند لإسرائيل حقا وباطلا. وهو ما يعني أنها لن تقوم باستعراضاتها النارية إلا بعد أن تحصل على ضوء أميركي أخضر. ذلك مجرد تكهن يدعمه حرص الإيرانيين على عدم التورط في حرب شبيهة بتلك التي خاضتها ضد العراق في ثمانينات القرن العشرين.

وفي هذا المجال علينا أن نتذكر أن ما حصلت عليه إيران بعد الاحتلال الأميركي للعراق ما كان في إمكانها أن تحصل عليه لولا أن الولايات المتحدة قد غضت النظر عن توسعها في نشر ميليشياتها وفرض نفوذها في العراق ولبنان وسوريا واليمن عبر أكثر من عشرين سنة كانت بمثابة عقدي انهيار للنظام السياسي العربي.

كان هناك دائما تعاون أميركي – إيراني لم يسع الإيرانيون إلى إخفائه بل كانوا هم الذين اعترفوا بوجوده بفخر. لذلك فإن إيران قد تنظر بسخرية إلى ما يقوله بايدن الذي لا يعرف ما تقوم به أجهزة المخابرات من ورائه. فإذا كانت إيران تنافس كوريا الشمالية على مرتبة العدو الأول بالنسبة إلى الإدارة الأميركية فإنها ليست كذلك بالنسبة إلى الدولة العميقة التي تحرك المياه تحت الجسور في السياسة الأميركية.

هناك سابقة لا تُنسى. حين ردت إيران على مقتل قاسم سليماني بقصف قاعدة عين الأسد الأميركية داخل الأراضي العراقية كان ردها متفقا عليه مع الولايات المتحدة

بعد الخسائر العظيمة التي منيت بها حركة حماس وحزب الله كان على إيران أن تواجه فداحة خسائرها. تلك خسائر في إمكانها أن تسحب البساط عن أقدامها وتعريها من كل مكتسباتها في المنطقة وهي مكتسبات قدمت الكثير من أجل نيلها. إضافة إلى مليارات الدولارات التي أنفقتها فإنها ضحت بعدد كبير من جنرالاتها في حرب اعتبرتها جانبية مقارنةً بحرب العقيدة التي كانت في الأساس حربا سياسية؛ حربا من أجل أن تعلو إيران الفارسية.

لا أعتقد أن مصممي السياسة الأميركية سيقبلون نهاية كئيبة من ذلك النوع لدولة صديقة. ذلك ما انتبهت إليه المملكة العربية السعودية في عهد باراك أوباما يوم أصرت الولايات المتحدة على إعادة عشرات المليارات إلى إيران مقابل توقيعها على الاتفاق النووي.      

لا شيء تغير. المعادلة نفسها. إيران التي ترعى الإرهاب هي نفسها إيران التي تحظى بالرعاية. ستكون حربا غزة ولبنان مجرد خطأين يمكن التغافل عنهما. أما عشرات الآلاف من القتلى والمشردين والمدن الممسوحة فهي ليست سوى وقائع تحدث في أيّ حرب. وكما أتوقع وقد أكون على خطأ أن القصف الإيراني هو نوع من المحاولة لطي صفحة لا أعتقد أن إسرائيل وحزب الله سيوافقان على طيها.

لذلك يمكن القول إن إيران قد فعلت ما أظهرها دولة قادرة على الدفاع عن مصالحها أما الحرب في غزة ولبنان فإنها ستستمر إلى أن تتأكد إسرائيل من أن سكانها صاروا في سلام.