فاروق يوسف يكتب:
ما يشبه الغرام
أن ترى الجمال فأنت محظوظ، تلك نعمة لا يحظى بها الكثيرون، ثق أن هناك مَن لم تتح له الفرصة في رؤية ما تراه طوال حياته.
لا أقصد الأشخاص الذين حرمتهم الطبيعة من نعمة البصر، بل أقصد الأشخاص الذين لا يملكون موهبة التفريق بين ما هو جميل وما هو قبيح، ما يعني أنهم لا يملكون القدرة على استعمال حواسهم بطريقة صحيحة، وإذا ما كان التلذّذ بالجمال يبدو أمرا ميسرا وطبيعيا على المستوى النظري فإنه على المستوى العملي أمر في غاية الصعوبة.
هناك بشر وهم الأغلبية للأسف لا يعرفون ما الجمال، وإن تغنوا به غرائزيا، سيفجع أولئك البشر حين يعرفون أن الجمال لا يمكن امتلاكه بعد أن اعتقدوا أنه صار خاضعا لهم باعتباره جزءا من ممتلكاتهم. ولأن الجمال يخيف أكثر ممّا يُريح بسبب ما يتطلبه التعرف عليه من جهد وكدح وتعب واستمرار في المجازفة بحثا عن تجلياته التي لا تكف عن التحوّل، فإن الكثيرين يعزفون عن الاستسلام له.
فالجمال فكرة تجريدية تنطوي على الكثير من التيه، إنه ماكر كالغرام الذي يُعتبر الحب واحدا من وجوهه المتعددة، الحب تجربة أما الغرام فإنه رحلة اكتشاف.
غالبا ما نكتفي بما يُريح من الجمال، ذلك ما يعيد إلينا ثقتنا بأنفسنا وبالعالم من حولنا، لقد خلقنا الله جميلين، ولكن هل في إمكاننا أن نكون جميلين دائما؟ ذلك ما يشك فيه الكثيرون.
فالجمال صعب لأنه ملغز وليست له وصفات جاهزة ولا يمكن تطويعه ومن ثم الاستيلاء عليه، الجمال غزال نافر يأفل بريق عينيه إن وقع في الأسر، ولأنه لا يدجن فإن كل حديث عن معرفته هو بمثابة نوع من التكهن الذي لا يعبر إلاّ عن خيلاء فارغة.
يمكننا القول إننا في أرقى الحالات لا نعرف من الجمال إلاّ صفاته، نضارته، رقته، لذته، عصفه، مكره، تقلبات طقسه غير أن تعريفا ثابتا له يظل خارج قدرتنا، الجمال يعرّف نفسه بنفسه.