هاني مسهور يكتب:

إخوان اليمن يقولون: اتركوا عقولكم واتبعونا

رغم ما يحمله اليمن من كوارث جراء تبعات الفوضى التي قادتها حركة إخوان اليمن في مطلع عام 2011 ثمّة إيجابيات يجب النظر إليها والإحاطة بها باهتمام بالغ؛ فما حدث في تلك الأيام يكشف بوضوح منهجية جماعة إخوان اليمن سواء المعاصرة أو ما يريدون أن يكون عليه اليمن بشماله وجنوبه في المستقبل، ولذلك فإن استدعاء نوعية الخطاب الصادر عن أفراد الجماعة في فترة ما يطلقون عليه “الربيع العربي" عندما كشف إخوان اليمن خطاباً مفضوحاً أظهر كل أبعاد المشروع السياسي المرتبط إقليمياً سواء بالتنظيم الدولي أو بعواصم محددة الاتجاه.

ولا جدال في أن إخوان اليمن يختلفون عن غيرهم في الدول العربية أو غيرها نظير مرجعيتهم السياسية التي ارتبطت بشكل وثيق بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الذي يُمكن وصفه بأنه عرّاب يمن ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962.

 ففي مذكرات عبدالله بن حسين الأحمر، يذكر أنه اتفق مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، على تشكيل حزب التجمع اليمني للإصلاح لجمع الإخوان المسلمين ولتصفية الحزب الاشتراكي (الجنوبي)، وهذا ما تم بالفعل في حرب صيف عام 1994، حتى أن ما أطلق عليه مراجعات حزب التجمع اليمني للإصلاح بعد إطاحة الشعب المصري بحكم الإخوان في مصر (يونيو 2013) وهي مراجعات على غرار مراجعات حركة النهضة التونسية، لم يخرج بتغيير في المنهجية العقائدية حتى وإن حاول إعلامياً تسويق غير ذلك.

 فلقد بقي إخوان اليمن على ارتباطاتهم السياسية سواء مع قطر أو مع تركيا، ومازالوا يعتمدون أسلوبهم التقليدي بتبادل الأدوار بين القيادة الحزبية وبين القواعد المنتشرة في عدة عواصم.

إن مجرد التفكير في إنشاء تجمع سياسي على أساس الانتماء الديني، يحيل مباشرة إلى ذهنية انعزالية تقوم على إقصاء وتقييم كل ما هو خارج دائرتها ومن ثمّ تقويمه أو تصويبه أو محاربته، وهو ما اختارته جماعة إخوان اليمن لنفسها منذ بداية تأسيسها، حتى أنها أوغلت في هذا الانغلاق وتمجيد الذات إلى درجة أن انحرفت عن قيم الدين الإسلامي نفسه بل وعملت ضده من ناحية تبجيل الحزب على القيم التي تدعي أنها قامت لأجلها فكأنما هي تستخدم الإسلام كذريعة للعودة إلى ما قبل الإسلام.

لا جدال في أن إخوان اليمن يختلفون عن غيرهم في الدول العربية أو غيرها نظير مرجعيتهم السياسية التي ارتبطت بشكل وثيق بالشيخ عبدالله بن حسين

لذلك بقي إخوان اليمن في دائرة مغلقة يدورون فيها ولم تكن "فورة" 2011 غير فرصة لسماع اليمنيين ما يضمرون في صدورهم، وليس اليمنيون وحدهم فلقد وصل صوتهم إلى العاصمة السعودية الرياض التي خاطبوها بلغة عدائية بلغت تهديدا مباشرا للأمن القومي السعودي في خطاب حاد أوضح تماماً أبعاد إخوان اليمن السياسية ووضعهم تحت دائرة الضوء، ومع ذلك استطاعوا تذويب ذلك الخطاب فيما تلى إطلاق عاصفة الحزم (مارس 2015) بعد خسارتهم العسكرية المُذلة فلقد استعادوا استراتيجيتهم بتبادل الأدوار، وفيما تُبدي قيادات إخوان اليمن تأييدها المُطلق للتحالف العربي فإن قواعد الإخوان، وعبر ما يمتلكون من جمعيات حقوقية وخيرية ومنصات إعلامية، يلعبون دوراً مناهضاً تماماً لأهداف السعودية والإمارات في اليمن.

تنطلق الأيديولوجيا الإخوانية بشكل مباشر من تعطيل عقل الفرد في المجتمعات وهذه منهجية من أسس تعاليم المرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، فبالعودة إلى رسالة التعاليم التي كتبها البنا تتضح من صفحاتها العشر أهمية أن ينقاد الفرد إلى الجماعة دون إدراك لمآلات ما تذهب إليه الجماعة وأهدافها، وهذا ما يحدث تماماً في اليمن عبر تطويق الناس بخطابات تحتمل الوعيد الشديد بالخروج عن نقد مشروعهم أو حتى التعرض لهم عبر ما استخدموه من غطاء سياسي، خاصة بعد إسقاط حكومة الكفاءات التي كان يرأسها خالد بحاح، في أبريل 2016 واستفرادهم بمفاصل السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية في عموم اليمن.

لم يقدم إخوان اليمن شكلاً واضحاً لليمن بمقدار أنهم مازالوا يعانون من مشكلتهم الأزلية حول ارتباطهم بالتنظيم الدولي، كما هو حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي لم يستطع الخروج من دائرة الشكوك حول ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية في السعودية ومصر والإمارات والبحرين بينما الجمهورية اليمنية حتى وهي تعلن قطع علاقاتها السياسية بالنظام القطري لم تستطع تقديم تبريرات فعلها بغير أنه انسجام مع ما أقدمت عليه الدول العربية تجاه دولة قطر لأن اليمن لا يعتبر جماعة الإخوان المسلمين جماعة محظورة أو إرهابية لأنها كانت شريكة في السلطة (اليمن الشمالي) منذ 1962 بل لأنها تحاول منذ 2011 استلام السلطة السياسية بالكامل.

إصرار إخوان اليمن على تعطيل العقول وشيطنة مخالفيهم جعلهم يتركون الصراع الحقيقي والمعاصر مع ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانياً ويسعون عبر أدواتهم المتاحة لمواجهة فكرة بناء الدولة التي يجب أن تكون عبر أحزاب وكيانات لا تحمل انتماءً لا وطنياً يجعل الوطن ثانياً، والانتماء إلى الجماعة والحزب أولاً، هذا الخلل هو ما يحول بين مشروع إخوان اليمن واليمن بشماله وجنوبه فالقضية ليست أن يكون مرتكزاً لتهديد جيرانه أو قاعدة من قواعد إعلان دولة الخلافة، القضية تتعلق بالإنسان اليمني المتضرر من مشاريع الإسلام السياسي، فالمحصلة في اليمن أن الحوثيين والإخوان وجهان بائسان لعملة واحدة