سمير عطا الله يكتب:
الوجهان
في الذاكرة، كان الرئيس الأميركي في كل قمة مع السوفيات، هو الخاسر سلفاً في الإعلام الدولي. حتى جون كيندي خسر سباق الهيبة مع نيكيتا خروشوف في فيينا. حتى النجم رونالد ريغان كان أقل بريقاً مع الزعيم الجديد ميخائيل غورباتشوف في جنيف. هذه قمة مختلفة تماماً بين الربّاع الروسي والمصارع الأميركي. لست أذكر رئيساً أميركياً في هجومية دونالد ترمب، أو رئيساً روسياً في جليد فلاديمير بوتين. الأول، مخيف في وضوحه البعيد عن الدبلوماسية، والثاني، كلما ازداد وضوحاً تذكر العالم زئبقية التنشئة في الكي. جي. بي.
واحد يحمل راية أميركا أولا، وواحد يحمل شعار روسيا وحدها. واحد يتحكم في قرار أضخم موازنة عسكرية في تاريخ الأمم، والثاني رئيس أكبر دول الأرض مساحة، لكنها التاسعة في السكان. واحد متعصّب مسيحياً وإن لم يكن متديّناً، والثاني يعلن تديّنه بعد رحلة طويلة في الإلحاد الشيوعي. في الحالتين، التديُّن سياسة ومعارك رئاسية.
في جميع القمم الماضية كان الشرق الأوسط «أم القضايا» على جدول الأعمال. كان الروسي دفعة واحدة مع العرب، والأميركي دفعة واحدة مع إسرائيل. الأميركي قادم ومعه «صفقة القرن»، والروسي استقبل بنيامين نتنياهو في الكرملين ثلاث مرات في أقل من عام. ماذا قال هذا وماذا قال ذاك، مجرد تخمينات. لكن الزيارات نفسها، صوت وصورة وتحيّات.
كان خروشوف مخيفاً بانفلاته الريفي. وكان بريجينيف مخيفاً بحاجبيه وصمته الذي كان سببه الأكبر صحياً. وكان غورباتشوف مثيراً بسبب حداثته وطيبته وانفتاحه. بوتين مثل فصل الخريف في سيبيريا: أقل برودة من الشتاء، لكن كمية الجليد نفسها، وأخطار الانزلاق. وأما التوقعات، فتزيد قليلاً أو تنقص قليلاً، والنتيجة واحدة: سيبيريا.
لكن هذا الزعيم الصعب والمعقد والقطبي السيماء، يرى نفسه أمام رجل يحمل كل سياسة العالم على «تويتر». يتصرف في البيت الأبيض مثلما يتصرف في أحد أبراجه. يُسقِطُ الرجال من حوله مثلَ زعيم سوفياتي قديم، فيما يرفرف فوق رأسه علم «العالم الحر». وديمقراطيات هلمَّ جرا.
ندان، للمرة الأولى. الربّاع الروسي من غير عقد. عنده جيش أصغر من جيش تركيا أو باكستان، لكن صواريخه تقطع 650 ميلاً فوق بحر قزوين نحو سوريا، من أجل العرض المثير. لا تدعوا الفرصة تفوتكم. مساكين الزعماء الروس السابقون، كان همهم أن يظهروا الروح الفلاّحية ونجاحات المنجل. الرفيق فلاديمير يدخل، وخلفه جميع القياصرة.