فاروق يوسف يكتب:

سامحونا.. نحن قتلة

في لحظة نادرة من تاريخ العراق السياسي تقدّم زعيم ميليشيا بدر هادي العامري بالاعتذار للشعب العراقي. لم يكن ذلك الاعتذار بسبب عمليات القتل والنهب التي مارستها الميليشيا التي دخل العامري نفسه العراق من إيران زعيما لها.

فمنذ أن فتحت الولايات المتحدة الحدود العراقية عام 2003 أمام كل ما يمكن أن تقدّمه إيران من مساهمات فذة في تدمير ذلك البلد المنكوب الذي تعرضت دولته للتحطيم وتم حل جيشه الوطني حرصت تلك الميليشيا على تصفية الأطباء والمهندسين والمفكرين وضبّاط الجيش السابق الكبار وطياريه متّبعة قوائم أعدتها إيران انتقاما من العراقيين الذين هزموها في حرب الثماني سنوات التي لم تنته بعد بالنسبة إليها.

وإذا ما كان هناك معسكران للصقور والحمائم يتوزع بينهما الزعماء الشيعة في العراق فإن العامري لا يحسب على معسكر الصقور فحسب، بل وأيضا يمكن اعتباره الصقر الأشدّ وحشية وافتراسا وهمجية في مجال تصفية خصومه الذين يتحركون في نطاق دائرة نزعته الطائفية المريضة.

العامري الذي لم يكفّ عن التصريح بأنه واحد من جنود خامنئي لا يعنيه في شيء مصير العراق ونوع الحياة التي يعيشها العراقيون. فمَن عاش مثله سنوات طويلة خادما في الحرس الثوري الإيراني لا يمكنه أن يبالي إذا ما تعرّض العراقيون للقتل والخطف والقهر والإذلال أو إذا وقع العراق تحت هيمنة دولة أخرى. وهل يعتبر هذا الجندي الإيراني إيران دولة أخرى؟ سؤال قد لا يزعجه.

طلب العامري من الشعب العراقي أن يسامحه لأنه فاسد. أن يسامحهم لأنهم فاسدون. أسمّي الأشياء هنا بأسمائها وهو ما لم يقله الزعيم الفعلي لميليشيا الحشد الشعبي. لأنه فاسد وليس لأنه قاتل. لأنهم فاسدون وليسوا حفنة من القتلة.

لعبة هي أشد إذلالا للشعب العراقي مما لو بقي تلميذ قاسم سليماني وتابعه المخلص صامتا. القتل من وجهة نظر خادم خامنئي هو ليس ذنبا يتطلب أن يقوم صاحبه بالاعتراف، طلبا للصفح أو سعيا وراء الحصول على عقاب مخفف.

لقد جرت كل عمليات القتل التي شهدها العراق على أساس الهوية الطائفية من وجهة نظره أيضا في إطار حرب عادلة، كان الهدف منها إنجاز ما لم تستطع إيران إنجازه في سنوات حربها ضد العراق.

القتل فعل لا يستحق صاحبه أن يقوم فاعله بالاعتذار. فهو يقوم بمهمته المقدسة وهي مهمة لا يقوى المكلف بها أن يرفض القيام بها، ذلك لأن ذلك الرفض يُخرجه من الخط الذي وضع نفسه في خدمته. خط الإمام الخميني الذي أوصى أتباعه بالاستمرار في إقامة المسيرات الجنائزية.

كانت جنائز العراقيين تحقيقا لنبوءة الزعيم الديني الذي شرع أبواب القتل أمام أتباعه من أجل أن تعلو راية الجمهورية الإسلامية في إيران. ولكن مَن يملك القدرة على مطالبة رجل مسلّح بالاعتراف بالقتل؟

أعداد القتلة في العراق لا تُحصى. كلهم مطلقو السراح، بل إن عددا كبيرا منهم قد تسلّم مناصب كبيرة في الدولة العراقية وصار يقابل زعامات العالم باعتباره ممثلا منتخبا للشعب القتيل.

كما أن لا أحد في العراق يقوى على أن يجرّ لغما مثل هادي العامري إلى المحكمة. أين تقع تلك المحكمة؟ السجون العراقية، العلنية والسرية على حد سواء، غاصة بالمعتقلات والمعتقلين الذين لم يروا قاض ينظر في قضاياهم التي تم تلخيصها بالمادة أربعة إرهاب.

إنهم إرهابيون وإن لم يقتلوا أحدا. أما هادي العامري الذي مارس القتل علنا فهو ليس إرهابيا.

“ليس كل من يَقتل مدنيا سلميا هو إرهابي”، ذلك هو القانون الذي يفض النزاع حول معنى الإرهاب في العراق. القتلة من أمثال العامري هم الذين يشرعون القوانين.

لذلك فإن الفساد هو الآخر ليس تهمة يستحق صاحبها أن يُجر إلى المحاكم. يكفي أن يُعلنها على الملأ لكي يكون شجاعا وتحمله الجماهير المنكوبة على الأكتاف إلى مجلس النواب باعتباره بطلا منقذا.

ليس من الصعب الاستنتاج أن رجلا أمّيا مثل العامري هو شخص فقير الخيال. ولأنه لا يحترم أحدا سوى أسياده في طهران وقم، فإنه لا يحتاج خيالا لكي يبدو محقا في ما يقدمه من تفسير لذلك الخراب الذي ضرب العراق بسبب وجوده وسواه على رأس السلطة هناك.

يمكن تلخيص اعتذار العامري من الشعب العراقي كونه لغما وضعه رجل إيران في طريق زملائه القتلة والفاسدين ولم يكن في ذهنه إلا أن يستعمل الشعب العراقي في حرب من نوع جديدة. فالرجل لم يقل إنه سيتوقف عن القتل بل دعا إلى فساد أقل.