فاروق يوسف يكتب:

من أم المعارك إلى أم الحروب

ليس صحيحا ما يُشاع عن قدرة نظام آيات الله في إيران على استيعاب الدروس التاريخية، واحتواء الصدمات السياسية.

فبعد أن صار مؤكدا أن الولايات المتحدة الأميركية ماضية في تنفيذ عقوباتها الاقتصادية التي تشمل في أحد بنودها منع الدول من استيراد النفط الإيراني، لجأت إيران إلى التلويح بإمكانية غلق مضيق هرمز، وهو ما يعني حرمان العالم من تدفق النفط في أحد أهم شرايينه الرئيسة.

لو كانت القيادة الإيرانية، كما يُشاع، على قدر قليل من الذكاء السياسي، لما لوّحت بذلك الخيار الذي ينطوي على الكثير من الاستفزاز، الذي سيكون مسوغا منطقيا لشن حرب على إيران لا يتمنى وقوعها أحد.

غير أن انفصال العقائديين الحاكمين في إيران عن العالم والعصر يقف حائلا بينهم وبين القدرة على فهم معطيات ما يجري من حولهم.

فأن يتم الدفاع عن حق إيران في أن تكون لها حصة في السوق النفطية شيء، والتسبّب في وقوع خلل جوهري خطير في تلك السوق حتى وإن كان مؤقتا هو شيء آخر.

العالم لا يمكن أن يستغني عن نفط الخليج يوما واحدا. وتلك حقيقة يدركها الإيرانيون جيدا، غير أنهم يتعاملون معها بغباء.

تلك نقطة لا تصلح وسيلة لابتزاز الغرب ودفعه إلى الضغط على الولايات المتحدة من أجل أن تتراجع عن خطة العقوبات، التي لا يمكن إيقافها إلا عن طريق استجابة إيران للشروط الاثني عشر المعروضة عليها.

أما التهديد الصريح بـ”أم الحروب” الذي تضمنه خطاب الرئيس الإيراني الذي يُوصف بالمعتدل حسن روحاني، فإنه يذكر بـ”أم المعارك” التي لوّح بها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حين تحدى القرارات الدولية التي نصت على وجوب إنهائه لاحتلال الكويت في العام 1990.

كانت تلك لحظة عبّر فيها الزعيم العراقي عن حالة جنون، ممزوجة بالغباء السياسي. لقد أوهمه ذلك الجنون بقوة لم يكن مطلوبا منه أن يملكها من أجل إعادة كتابة تاريخ المنطقة ورسم جغرافيتها وفق ما يمليه عليه مزاجه الأعمى. لذلك كانت أم المعارك نذير شؤم لما سيشهده العراق عبر سنواته اللاحقة، وصولا إلى دخوله إلى نفق الاحتلال الذي لا يزال يغطيه بظلامه.

وما تبجّحُ الرئيس الإيراني حسن روحاني بـ”أم الحروب”، إلا تعبير عن تمكن العمى نفسه من القيادة الإيرانية.

وإذا ما كان وصول نظام آيات الله إلى اللحظة التي يصطدم فيها مع العالم أمرا متوقعا، فإن لجوء حسن روحاني، هذه المرة، إلى التهديد الصبياني في محاولة منه لتأجيل ذلك الصدام قد يعجّل بوقوعه. وهو ما سيجرُّ على إيران ويلات وأهوالا لن تكون مستعدة لمواجهتها.

ومثلما كان حال العراق عام 1991 ستجد إيران نفسها وحيدة في مواجهة العالم إذا ما أقدمت على تنفيذ تهديدها. لن تنفعها في ذلك مواقف الدول التي لا تزال ملتزمة بالتعاون معها، وفي مقدمتها روسيا والصين.

ذلك لأن تلك الدول ستكون محرجة إذا ما أعلن النظام الإيراني، صراحة، عن تهديده للسلم والأمن العالميين. ومثلما كانت أم المعارك بمثابة الضربة القاضية التي وجهت إلى النظام العراقي، فإن أم الحروب ستكتب السطر الأخير في حياة النظام الإيراني.

بعد أم المعارك خرج العراق من دائرة النظام الإقليمي وهو ما سيحدث لإيران بكل تأكيد.

وإذا ما كان ذلك الخروج هو تنفيذ إجباري لواحد من الشروط الأميركية، فإن ما سينتج مباشرة عنه ليس أقل من إنهاء وجود الميليشيات التابعة لنظام الملالي، وهي الميليشيات التي يعتمد عليها ذلك النظام في إشعال الحرائق التي تنطوي عليها فكرة أم الحروب.

ما تنطوي عليه تلك الفكرة لا ينحصر في حرب دفاعية ستكون إيران مضطرة إلى القيام بها إذا ما تعرضت لهجوم أميركي بل تشمل حروبا متعددة، تتكفل بشنها الميليشيات التي أعدتها وموّلتها إيران في انتظار تلك اللحظة.

فكرة خرقاء تكشف عن عقل سياسي مراهق لا يعترف بميزان القوى العالمي، وليس هو على استعداد لتخيّل السيناريو الذي يمكن من خلاله تحويل كل ما تملكه إيران من قوى وأدوات بشرية ومادية إلى خردة غير صالحة للاستعمال.