فاروق يوسف يكتب:
عزيزي السيد مقتدى الصدر
أشعر أنك قد قررت أن لا يكون لك دور سياسي في المرحلة المقبلة. هي خصلة فيك لا يمكن فهمها على أساس حسن النية.
غير مرة هربت من المواجهة.
غير مرة تراجعت وأوقعت أتباعك في حيرة واستفهام.
ولأنهم، أقصد أولئك الأتباع الممتحنين بمزاجك المتقلب مضطرون إلى البحث عن أسباب تسوغ لهم فكرة الاستمرار في اقتفاء أثرك فإنهم اجتهدوا في تمارين القفز على الموانع ونسيان معاناتهم وهم يبحثون عنك بين ثغرات منطقك اللغوي الذي تعجبهم فيه اشاراتك الغامضة التي توحي بعراقيتك، بانحيازك إلى الفقراء، برفضك الانضمام إلى الطبقة السياسية الحاكمة، بتصدرك مشهد الدعوة إلى التغيير وقلب الطاولة على نظام المحاصصة الطائفية والعرقية.
ولكن مهلا، هل كل ما يتخيله أتباعك صحيح؟
لقد دعوت يوم فازت قائمة "سائرون" التي تتزعمها بالمرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة إلى قيام حكومة أبوية. طبعا لا أحد سألك عن ذلك المفهوم الجديد في عالم السياسة. أنا بدوري لن أسألك. أعرف أنك تتحدث بلغة رجل دين في بلد أعمت الانحيازات الطائفية سكانه عن التعرف على المنطق السياسي الذي يحكم عصرنا الحديث.
يمكنني أن أتكهن بمعنى الأبوة الذي انطوى عليه ذلك المفهوم. فبالرغم من أنك لا تزال شابا فإن منصبك الديني الذي أجهله بسبب عدم خبرتي في عالم الكهنوت الشيعي يؤهلك لأن تنظر إلى أتباعك ومن بعدهم الشعب كله إذا ما قيض لك بأن تحكم باعتبارهم أبناء لك.
تلك علاقة تقع خارج مفاهيم السياسة الحديثة. غير أنني لن اعترض عليها بسبب تفهمي لمنهجك الذي يُخضع السياسي للديني. وهو ما لا يمكنك التخلي عنه. إنه شرطك الإنساني الذي لا يمكن الاعتراض عليه إلا إذا افترضنا أن في إمكان العراقيين اليوم التخلص من لوثة الدين التي حرمتهم من التمتع برؤية الحقيقة في إطار حكم مدني يرعى مواطنتهم ويشيع بينهم مبادئ المساواة والآخاء والتسامح والعدالة الاجتماعية.
ذلك أمر بعيد المنال في ظل تمكنكم أحزابا دينية من السلطة.
بناء على دعوتك الأبوية كنتُ أتوقع أن تكون أبا للمحتجين الذين لا يزالون في العشرينات من أعمارهم. إنهم الأبناء الذين لم ينتظروا قيام حكومتك الأبوية بسبب يأسهم من الطبقة السياسية الفاسدة التي لا يزال في إمكانها أن تصنع صورة العراق في المستقبل، وهي صورة مظلمة.
لقد توقعت سيد مقتدى أن تنضم إلى المتظاهرين.
أيضاً لم تلتحق مدينة الصدر (الثورة سابقا) التي عرفتُها في ما مضى جزءا من حزام الفقر الذي يحيط ببغداد بالانتفاضة. هناك يقيم شعبك. هل استفاد شعبك من مرحلة الفساد بحيث صار لا يخرج للتظاهر إلا في سياق أجندتك الشخصية؟
أخشى أنك قد أفسدت شعبك.
لقد توقع الكثيرون أن تقبض على كرة النار التي أشعلها أبناء الجنوب لتضيء بها ليل بغداد، فإذا بك تصمت وتختفي. لا إشارة ولا كلمة منك.
أفهم لمَ يصمت الشيوعيون الذين انضموا إلى قائمتك لأسباب انتهازية. ولكن أن تصمت أنت فذلك ينطوي على معان كثيرة.
لقد سبق لك أن دعوت إلى التظاهر، فهل تدخل تلك الدعوات في سياق التنافس الحزبي ولا علاقة حقيقية لها بمطالب الشعب؟
ما معنى أن جمهورك اقتحم ذات يوم مبنى رئاسة الوزراء وعبث بمحتوياته؟
أخشى أنك كنت ولا تزال تلعب بأعصاب خصومك من السياسيين الشيعة الذين وهبوك حصتك في ثروة العراق مرغمين. أنت تعرف أنهم يكرهونك ويكرهون والدك. لم يكن مناسبا أن تدعو رجلا تحوم حوله شبهات الجريمة مثل هادي العامري لإلقاء موعظته في التسامح في الحفل الذي أقمته احياء لذكرى والدك. لقد سمحت له بأن يخاطب المحتجين بلغة التضليل والخداع التي باتت مستهلكة ولا تنسجم مع اللحظة المصيرية التي بادر شباب العراق إلى صياغة ملامحها بعيدا عن صفقاتكم الحزبية.
ما لم يدركه العامري وسواه من سياسيي مرحلة ما بعد الاحتلال أن المجتمع العراقي قد تجاوزهم خبرة وممارسة في العمل الميداني.
ليس هناك من أحد ينتظر منكم خلاصا. كان هناك رهان عليك باعتبارك داعية للخروج من منطق المحاصصة أفشلته بنفسك حين أظهرت عجزك عن فهم المتغيرات من حولك.
هناك شعب شاب سيد مقتدى. هذا الشعب لا يعرفه أحد منكم. إنه شعب مختلف عن ذلك الشعب الذي أعمته حروبكم العقائدية عن رؤية الحقيقة.
ذلك الشعب لن ينتظر مع صيحة الديك فتوى من السيستاني ليبدأ نهار حريته ويباشر العمل من أجل أن يستعيد وطنه المسروق وثروته المنهوبة.
ليست لذلك الشعب حاجة إلى زعيم مترع فمه بغبار كتب المرويات الطائفية. سينبعث زعماؤه من بين صفوفه حاملين أفكاره الوطنية عن الكرامة والعدالة والمساواة والنزاهة وكل ما تفتقر إليه الأحزاب الدينية من قيم إنسانية.
لقد كان ذلك الشعب يأمل بكم خيرا وخذلتموه. أقول لك بصراحة "فعلتَ خيرا فلا حاجة لذلك الشعب إلى أن تضيع صرخته في مزادكم المفتوح على الصفقات الفاسدة التي تظللها المرجعية الدينية بجناحيها".