فاروق يوسف يكتب:

شعبان في بلد لا يقبل القسمة

حين احتل الاميركان العراق عام 2003 لم يكن في ذهنهم أن يحلوا شعبا محل شعب آخر كما حدث في فلسطين قبل عام 1948.

شيء يفوق القسوة أن يُقارن المرء ما بين ما جرى في فلسطين التي غزاها المستوطنون الأجانب وبين ما شهده العراق في ظل هجرة معاكسة قام بها عراقيون سابقون قضوا الجزء الأكبر من حياتهم خارج العراق.

لو أن أولئك العراقيين عادوا باعتبارهم مواطنين أسوياء حُرموا من الإقامة في وطنهم لكان الامر طبيعيا ولكنهم عادوا فاتحين. لا يزال البعض منهم يردد ببلاهة وغباء وصفاقة إنهم حرروا بجهادهم العراق ولولا ذلك الجهاد لما سقط نظام حسين.

كذبة حمقاء يُراد لها أن تُحل الزيف محل الحقيقة.

بناء على تلك الكذبة صار القادمون مع المحتل الأميركي يتعاملون مع ما صار يُسمى بشعب الداخل كونهم واهبي حرية. بمعنى أن خيانتهم كانت الباب الذي أطل من خلاله الشعب العراقي على الحرية.

كذبة أخرى سيكون على العراقيين أن يمروا بمختبراتها ليكونوا مجرد كائنات جاهزة للقتل والاضطهاد والتعذيب والتهميش والعزل.

لقد فرض المحتل مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية نظاما للحكم في العراق وهو المبدأ الذي طالبت به المعارضة السابقة التي حقق المحتل لها هدف الوصول إلى الحكم. ما يعني أن عراقيي الخارج المنتصرين فرضوا على عراقيي الداخل المهزومين نظام الحكم الذي سيصرف شؤونهم.

في تلك اللحظة وفي ظل الخوف الذي استباح أرواح العراقيين تأكد المعارضون القادمون بحماية أميركية أن مشروعهم سيكون قابلا للتنفيذ من غير أن تعترضه أية عقبات.

لذلك صاروا يسنون القوانين التي ترعى حقوق شعب آخر، هو غير ذلك الشعب الذي فرض عليه نظام الحرب الاهلية.

لم يعد خافيا أن حكام العراق الجدد كانوا محكومين بنظرتهم الثابتة إلى شعب الداخل كونه بعثيا وهو ما جعلهم من موقع السلطة ينظرون إلى أفراد ذلك الشعب كونهم أيتام البعث أو أيتام صدام.

ما كان في إمكانهم والحالة هذه أن يتعاملوا معه بطريقة مختلفة.

كان الشعب الوحيد الذي يستحق أن يلتفتوا إليه يتألف من مجاهدي حزب الدعوة والتوابين الذين قاتلوا مع إيران ضد العراق والهاربين إلى مخيم رفحا والمهجرين بسبب تبعيتهم لإيران وما سمي بالسجناء السياسيين وإن كنت على يقين من عدم وجود سجين سياسي واحد في العراق، ذلك لأن المتهم السياسي كان يتم إعدامه في أحسن الأحوال.

التفت حكام العراق الجديد إلى الشعب الذي يعرفونه وتركوا الشعب الذي لا يعرفون عنه شيئا غارقا في فقره وجهله وأمراضه وافتقاره إلى الخدمات الأساسية التي يمكنه من خلالها أن يصرف شؤونه.

كان هناك شعب يستحق من وجهة نظرهم أن تنفق عليه أموال العراق بغض النظر عن مكان إقامته. ذلك الشعب المترف، المرفه لا يعرف عن العراق شيئا لأن جزء كبيرا منه وُلد خارج العراق.

ما صار عراقيو الداخل على علم به أن حكومتهم تدفع رواتب خيالية لأبناء المجاهدين ممن لم يروا العراق وعاشوا كل حياتهم في البلدان التي وُلدوا فيها مواطنين مرفهين في ظل حماية اجتماعية كاملة.

يمكن القول إن العراقيين يائسون من أية حكومة تنبعث من العملية السياسية القائمة لأنها ستكون بالضرورة حكومة لشعب آخر. ذلك الشعب الذي يقيم في الخارج. شعب لا يمكن انكار عراقيته غير أنه لا يمت للعراق بصلة.

عراقيو اليوم صاروا على يقين من ضرورة أن يحذفوا الشعب الذي حل محلهم لتتاح لهم فرصة الحياة. وهي فرصة تاريخية يتم من خلالها التخلص من الطبقة السياسية التي لم تر العراق على حقيقته، بلدا لا يقبل القسمة.