هاني مسهور يكتب:
قناة الجزيرة في المهرة.. كيف ولماذا؟
في أبريل 2016 حدث انقلاب على حكومة الكفاءات الوطنية وتم إسقاط خالد بحاح من على رأس الحكومة والسلطة، واستحوذت عناصر حزبية على مفاصل الشرعية بشقيها الرئاسي والحكومي، وأخذت تبعات ما حدث تنعكس على مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية نتيجة تغول المتحزبين خاصة المنتمين لحزب التجمع اليمني للإصلاح في مفاصل الدولة. وتكفي الإشارة إلى أن ما حققته الشرعية من إنجازات عسكرية تمثلت بما نسبته تحرير 85 بالمئة من جغرافية اليمن كان خلال فترة بحاح، بينما منذ الإطاحة به لم تتغير النسبة المئوية حتى تقدمت ألوية العمالقة الجنوبية بإسناد إماراتي لتحرير مطار الحديدة في يونيو 2018، أي أن عامين لم تتحقق فيهما انتصارات ميدانية وظلت قوات الشرعية في جبهات نهم وصرواح والجوف تقدم انتصارات إعلامية فقط.
المتغير الذي حدث في يونيو 2017 كان بإعلان المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر نتيجة إصرار النظام القطري على دعم وتمويل الجماعات الإرهابية في المنطقة العربية، كما أن من أهم المسببات التي أدت لقطع العلاقات العربية مع قطر كانت قناة الجزيرة وما تقوم به من تحريض وبث للكراهية ضد حكومات عربية معينة، إضافة إلى أنها تقدم أجندة تخدم توجهات إقليمية معادية وعلى رأسها الأجندة الإيرانية.
كانت الرئاسة اليمنية من أوائل الدول التي قامت بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وجاء الإعلان حسب ما نشرته وكالة الأنباء اليمنية سبأ “تعلن الحكومة اليمنية تأييدها للخطوات التي اتخذتها قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن بإنهاء مشاركة القوات القطرية، وكذلك تعلن قطع علاقاتها الدبلوماسية بدولة قطر وذلك بعد اتضاح ممارسات قطر وتعاملها مع الميليشيات الانقلابية ودعمها للجماعات المتطرفة في اليمن، مما يتناقض مع الأهداف التي اتفقت عليها الدول الداعمة للحكومة اليمنية الشرعية، وإنها على ثقة بحول الله أن الأشقاء في التحالف سيستمرون في بذل كافة جهودهم لتحقيق الأمن والاستقرار للشعب اليمني ودعم الشرعية واستعادة سيادة الدولة اليمنية من الانقلابيين والاستمرار في محاربة الإرهاب على الأراضي اليمنية كافة”، هذا ما جاء نصا عبر وكالة الأنباء اليمنية، ولكن أن يقطع اليمن علاقاته مع قطر بسيطرة إخوان اليمن على الشرعية، فإن ذلك يعد مسألة أصعب من أن تتم فالنظام القطري والإخوان والناصريين وغيرهم مرتبطون بالمال القطري وبتنفيذ الأجندات الإيرانية والتركية في اليمن.
بعد المقاطعة أعادت قناة الجزيرة فتح مكتبها في صنعاء وعادت وجوه الحوثيين تظهر من خلالها، وفي المقابل انطلقت أذرع قطر في إسطنبول بالتصعيد الإعلامي وشنت توكل كرمان هجوما كبيرا على السعودية والإمارات تمهيدا لما أطلقته قناة الجزيرة من حملة عدائية شرسة بافتعال قضية السجون السرية في عدن وحضرموت، وحتى تكتسب الحملة الزخم المطلوب فلقد استندت على تقرير من منظمة يمنية (وهمية) ممولة من قطر تدعى منظمة سام للحقوق والحريات، وعبر الذباب الإلكتروني ومئات الآلاف من الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك) تحولت القضية إلى ما كانت تريده قطر، على الرغم من نفي الرئاسة اليمنية ووزير الداخلية ونائبه كل هذه الافتراءات، إلا أن قناة الجزيرة والقنوات الإخبارية الموالية لإخوان اليمن مازالت على موقفها.
إلا أن افتعال أزمة سقطرى وما صاحبها من أحداث كشف ما أكثر حول علاقة قطر المشبوهة بأطراف في الشرعية اليمنية، فلقد كشف بيان رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر جانبا لافتا في الهوة الواسعة بين التحالف العربي والشرعية التي اتهمت التحالف بخرق السيادة في سقطرى، بعد أن مهدت قناة الجزيرة عبر تغطيتها لمظاهرات واسعة في مدينة تعز مايو 2018 طالبت بخروج السعودية والإمارات من اليمن، ولم تتوقف الأمور السيئة عند بيان حكومة بن دغر بل بلغت أقصاها مع توجيه وزارة الخارجية اليمنية لرسالة لمجلس الأمن الدولي واصلت فيها الحملة القطرية حول ادعاءات السيادة في سقطرى.
وجدت قناة الجزيرة فرصة أخرى في محافظة المهرة، بعد أن استعانت قطر بخلايا إخوانية في السلطة المحلية بافتعال أزمة أخرى بمطالبة السعودية إجلاء قواتها العسكرية من المهرة.
ولم تكتف قناة الجزيرة بإظهار قلة تعد بالعشرات على أنها حشود جماهيرية كبيرة، بل أظهرت شخصية موالية للشرعية اعتبرت الوجود السعودي أنه احتلال في ضرب بالأعراف القبلية والاجتماعية الرابطة بين السعودية وأهالي المهرة الذين يحظون على مدار عقود بعلاقة خاصة تربطهم بالسعودية اجتماعيا وسياسيا.
ما يثار عبر قناة الجزيرة القطرية من تحريض بدأ يطرق أبواب حضرموت ويفتح الباب الأوسع أمام تساؤل كبير.. كيف دخلت قناة الجزيرة إلى المهرة وسقطرى؟ تساؤل يعمق العلاقة المشبوهة بين أطراف في الشرعية والنظام القطري، وهو ما يفرض تساؤلا آخر هل بالفعل قطعت العلاقات مع قطر أم أن الشرعية اليمنية تستخدم التقيّة للتملص من استحقاقات التزاماتها مع التحالف العربي، هذه النوعية من التساؤلات باتت تطرح نفسها أمام الحكومة الشرعية بل وعلى الرئيس عبدربه منصور هادي نفسه.
تقابل هذا حملة الاحتقان الشعبية في العاصمة الجنوبية عدن ضد النظام القطري، وهي بالمناسبة الحملة الأولى التي تنطلق شعبيا ضد التحريض القطري الذي أفرز جرائم قتل وتصفية استهدفت خطباء وأئمة مساجد ونشطاء سياسيين موالين للتحالف العربي، وهي سياسة مستمرة بدأتها قطر منذ منتصف التسعينات انتقاما من موقف اليمن الجنوبي عام 1974 والذي رفض الاعتراف بدولة قطر عندما أعلنت استقلالها آنذاك، وهذا يفسر حجم التمويل الهائل الذي حظيت به جماعة الإخوان في اليمن بعد حرب صيف 1994 لتكريس التطرف في المحافظات الجنوبية عبر إنشاء الحواضن لهم بعد استقطاب العشرات من الإرهابيين في أفغانستان والبوسنة والصومال وغيرها من البلدان، وتوطينهم في الجنوب واستخدامهم في تهديد الحدود السعودية وتصدير الإرهابيين إليها.
ما حدث من النظام القطري خلال السنوات العشرين الأخيرة سواء بدعم وتمويل الإرهاب أو بالتحريض على اليمن جنوبه وشماله وشرعنة الوجود الحوثي سياسيا، هي جرائم تستدعي من الحكومة اليمنية مقاضاة النظام القطري وقد يكون هذا هو السبيل الوحيد أمام الشرعية لإثبات أنها قطعت علاقاتها مع قطر وأنها لا تستخدم التقيّة.
وهذا ما سيضع حدا لتيارات الإسلام السياسي في اليمن من أن تحصل على التمويل الذي من خلاله تواصل مساعيها للوصول إلى السلطة السياسية لتنفيذ الأجندات الخارجية.