سمير عطا الله يكتب:

الزعيم والإنسان: «غينيس» التوقيفات

عام 1989 انتخب كارلوس شاوول منعم رئيساً للأرجنتين (حتى 1999). لم يكن الحدث وطنياً فقط، بل كان عربياً إلى حد ما. فلاعب الكرة السابق، الذي انتُخب من قبل شيخاً عن مقاطعته (لا ريوخا)، هو ابن عائلة سورية هاجرت من مدينة يبرود. وكانت العادة حتى ذلك الوقت أن يُنتخب المهاجرون لبنانيّو الأصل إلى المناصب السياسية في أميركا اللاتينية، بسبب أقدميتهم وأكثريتهم. منعم اخترق القاعدة.
لكن كارلوس، الوسيم والمزواج وعضو الحزب البيروني، كان يعاني من مشكلة مزمنة: حب السجون والإقامة الجبرية. تقول دعاية «سفن أب» القديمة: «تحبها، تحبك»! ولم أعثر في حياة أي سياسي، في أي مكان، له مثل تلك الحالة من الهوى مع التوقيفات والاعتقالات والاتهامات، كما في سيرة السنيور كارلوس.
قبل الرئاسة وبعدها. كانت زوجته الثانية شقراء من تشيلي المجاورة. وعندما وجهت إليه إحدى تهم الفساد والاتجار بالأسلحة، فرّ معها إلى تشيلي، وبقيا 4 سنوات إلى أن ألغيت مذكرة التوقيف في حقه، فعاد إلى بوينس آيرس حيث تطلقا. ووجِّهت إلى كارلوس تهمة رشوة من شركة سيمنس، فنفى التهمة نفياً تاماً ومطلقاً، لكنه وافق على دفع الغرامة.
حاولت، جدياً، أن أحصي عدد المرات التي أوقف فيها منعم، وكنت أصطدم دائماً بقلة خبرتي في الحساب وكثرة ولعه بالمخالفات. لكن الرجل أعطى الأرجنتين هديتين تاريخيتين: الأولى، انتشالها من قاع الأزمات الاقتصادية المزمنة، والثانية المصالحة التاريخية في أعقاب الانقلابات العسكرية المتوحشة، التي أدّت إلى مقتل واختفاء الآلاف.
قابلت الرئيس منعم ذات مرة في فندق ميديترانيه في قبرص، حيث أمضى مع وفده عطلة الأسبوع. لم يكن يستطيع الفرار منا، ولم نكن نستطيع الالتقاء به وبالحشد الذي يرافقه، وبآلات الاتصال التي يحملونها، كأن السيد منعم القائد الأعلى للحلف الأطلسي. تحدثنا، أصدقائي وأنا، بكل مودة إلى أعضاء الوفد، أما كارلوس فظل فخامته بعيداً، يفضل السباحة والعوم.
حاول منعم العودة إلى الرئاسة وأخفق، لكنه استطاع العودة إلى مجلس الشيوخ مندوباً عن لا ريوخا. ولا يزال، وهو في السابعة والثمانين، يرتدي ألوان الشباب، ويحرص على أناقته المشهودة، ويرخي شعر فوديه مثل ثوار الأرجنتين القدامى. وقد سعت زوجته الأولى وقريبته، سليمى، في بداياته الرئاسية، إلى أن تكون «إيفا بيرون» أخرى، مثل زوجة الجنرال خوان بيرون، الراحلة التي تحولت إلى أسطورة، خصوصاً أنها كانت تشبهها في الجمال. غير أن الخلافات بين الزوجين ظهرت سريعاً إلى العلن، وخشي منعم من تدخلات زوجته في السياسة وتواطئها مع بعض العسكريين. وكان الحل في طلاق عاجل.
إلى اللقاء...

*الشرق