هاني مسهور يكتب:
انعكاسات العقوبات الأميركية على إيران.. يمنياً
مع دخول حزمة العقوبات الأميركية الأولى على النظام الإيراني جاء إعلان قائد الحرس الثوري أن الهجوم الحوثي الذي استهدف ناقلتي النفط السعوديتين في مضيق باب المندب كان بطلب من الحرس الثوري.
ففي تصريح نشرته وكالة “فارس” الإيرانية نقلاً عن ناصر شعباني قائد عمليات مقر “ثار الله” التابع للحرس الثوري جاء فيه “طلبنا من اليمنيين أن يهاجموا ناقلتي النفط السعوديتين، ففعلوا ذلك”، وبعد دقائق من نشر هذا الخبر حذفت وكالة “فارس” هذا التصريح الذي يعتبر اعترافا إيرانيا صريحا بدعم ميليشيات الحوثي، من صفحاتها.
وأضاف ناصر شعباني أن ميليشيات الحوثي في اليمن وميليشيات حزب الله اللبناني، تمثلان العمق الإيراني في المنطقة، وكان تحالف دعم الشرعية في اليمن قد أعلن يوم 25 يوليو 2018 عن إحباط هجوم حوثي استهدف ناقلتي نفط سعوديتين في مضيق باب المندب، قبالة السواحل الغربية لليمن.
يفتح هذا التصريح نافذة لقراءة انعكاسات العقوبات الأميركية على إيران وما يمكن أن تؤثر فيه على الحالة اليمنية، والسؤال لماذا اليمن دون غيرها؟
والجواب لأن اليمن هو نقطة التماس الإيرانية مع المملكة العربية السعودية والتي من الواضح أنها تدخل مرحلة جديدة من التحديات.
السعوديون يدركون أن إيران تسعى إلى تدويل الأزمة اليمنية في ظل هذه الظروف على أمل أن تنجح في مقايضة أولى مع الولايات المتحدة، وهذه جزئية أساسية تعتقد إيران أنها لم تعد تستطيع احتمال تفويتها إطلاقاً، فدوائر الضغط التي شكلتها العقوبات الأميركية انعكست على اليمن من خلال تصريحات ناصر شعباني، وكذلك من خلال عودة الحوثيين إلى استهداف المملكة العربية السعودية بالصواريخ الباليستية.
في النظريات السياسية تبقى نظرية دوائر الضغط هي الأكثر تشابكا في الأزمة اليمنية. السعوديون يرفضون التدويل للملف اليمني حرصا على أمنهم القومي، وبدرجة حساسية بالغة يتعاملون مع هذه الدائرة من الضغط على امتداد ثمانية عقود منذ أن وقعت اتفاقية الطائف في العام 1934، وصولا إلى قبول اليمنيين (جبراً) للمبادرة الخليجية التي تم إعلانها في العام 2011.
هذه الدائرة التي حاولت إيران اختراقها بمختلف الطرق لم تجد طريقا نافذة يمكن من خلالها المساومة مع السعوديين فيها، حيث بقيت الرياض حتى بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران في الثامن من مايو 2018، واستعداد الإيرانيين لتقديم التنازل في الملف اليمني مقابل عودة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للاتفاق النووي، متمسكة بنفس موقفها من الملف اليمني.
المستجد تمثل في ظهور المبعوث الأممي مارتن غريفيث وما أفرزته إحاطته لمجلس الأمن الدولي في الثاني من أغسطس 2018 من وضوح حول دائرة ضغط أكبر اتساعا، فالرؤية الأممية للملف اليمني تحمل في إطارها العام رؤية بريطانية تحاول جاهدة العودة إلى منطقة الشرق الأوسط عبر اليمن.
فلقد كشف البريطانيون هذه الرغبة، انطلاقا من أن اليمن بممراته البحرية قادر أن يلعب أدورا أساسية في مستقبل الاقتصاد الذي سيرتكز على مشروع الصين (الطريق والحزام) والذي يتم عبر تهيئة الجهة المقابلة لليمن في القرن الأفريقي عبر تسويات تاريخية وصلت إلى ما هو أبعد من مصالحة إثيوبيا مع إريتريا، إلى المصالحة بين فرقاء جنوب السودان في مؤشر على أن هناك ترتيبات لهذا الجزء من العالم ليلعب دوره في القرن الحادي والعشرين.
دائرة الضغط البريطانية عبر مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث بدأت تتحدث عن تفكيك المرجعيات اليمنية، وإن كان هناك توافق محلي وإقليمي ودولي حول إسقاط مخرجات مؤتمر الحوار الوطني على اعتبار أنها أحد مسببات الحرب اليمنية إلا أن ذلك لا يعني أن يكون هناك أي استعداد لمناقشة إسقاط المبادرة الخليجية، لأنها تمثل حجر الزاوية للتفاهمات اليمنية حول نقل السلطة السياسية حتى مع تعطيل فقرات واسعة من الدستور اليمني.
يبقى القرار الأممي عدد 2216 ينتظر ما ستؤول إليه المشاورات التي ستدور في السادس من سبتمبر 2018 في العاصمة السويسرية جنيف، ويبدو أن البريطانيين يمتلكون الحوافز لإنهاء التفويض الممنوح للتحالف العربي، ولا يمكن تجاهل الحديث الكثير حول فساد الشرعية وتآكلها مستندين على سلسلة طويلة من الفشل تضمنها تقرير خبراء الأمم المتحدة بالتفصيل الصادر في يناير 2018، إضافة لتصاعد الاحتجاجات الشعبية في عدة مدن جنوبية حول أداء الشرعية وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الأساسية، وهي ذرائع حملتها دوائر السياسية البريطانية بالتوجه نحو تحديد الخيارات القاطعة تجاه القرار الأممي 2216 خاصة وأن الأميركيين لا يبدو أنهم يولون الملف اليمني ذلك الاهتمام إلا في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
لا تنتهي التعقيدات عند هذا الحد، فإضافة إلى الإيرانيين الذين لا يمتلكون فعلياً قدرة على التأثير في مسار اليمن السياسي، يظهر الدور القطري المراهن على استنزاف السعودية والإمارات في اليمن عبر تمويل جماعة الحوثيين ماليا وإعلاميا خاصة وأن ما تم الكشف عنه مؤخرا عن اختراق قطر لدور الأمم المتحدة عبر المبعوث الأممي الأسبق جمال بنعمر يضع قطر كلاعب لا يمكن تجاهله في الملعب اليمني الغارق في الفوضى.
هذه التحديات الكبيرة تتعلق بتحول أساسي هو العقوبات الأميركية المعلنة ضد إيران، ومدى قدرة الرياض وأبوظبي على إدارة الملف اليمني بما يكفل تحقيق المصلحة القومية، وإعادة الاستقرار إلى بلد بات مجالا مفتوحا للصراعات التي تتجاوز حجمه وقدرته على استيعابها.