هبة فهيم حيدر تكتب لـ(اليوم الثامن):

إلى كثير من مدربي التنمية البشرية: "لا تبيعوا الوهم للشباب"

قبل أيام، رافقت إحدى الشابات المتطوعات في عملي إلى دورة تنمية بشرية كانت قد انضمت إليها بعد أن جمعت رسومها بشق الأنفس. دفعت مبلغًا كبيرًا لقاء شهادة اجتياز تعد – دون ضمان – بنقلة نوعية سريعة في حياة خريجيها. وعود براقة في مقابل واقع قاسٍ.

دخلنا القاعة، وبدأ العرض المعتاد. مدرب يتبختر في مشهد مكرّر؛ بدلة مكوّية أكثر من اللازم، ساعة يد متوقفة، وحذاء منهك من المواصلات. يتحدث وكأنه ملياردير، وعيناه تلاحق فتاة في الصف الأمامي. يطلب من الحاضرين تكرار عبارة "أنا أقدر" مئة مرة، ويتعهد بأن "الكون" سيتغير فقط لأنهم ابتسموا!

الحضور من الشباب والبنات كانوا مملوئين بالأمل، يصفقون ويتفاعلون مع كل جملة. رأيت في أعينهم إعجابًا صادقًا، ولكن أيضًا شيئًا من الخداع. كان المشهد محزنًا. هؤلاء لا يحتاجون إلى شعارات... بل إلى حقيقة.

كنت أراقبهم وأفكر: ماذا سيحدث غدًا عندما لا يتغير شيء؟ عندما يعودون لحلقة الرفض والتهميش؟ هل تكفيهم ابتسامة في المرآة ليصمدوا أمام خيبة الواقع؟

فجأة، قاطعني صوت المدرب وهو يصرخ: "قولوا: أنا أقدر! كرروها! ابتسموا! الكون سيأتيكم!"، كل ما في الأمر كان تكرارًا، قفزات، وتصفيق، بلا مضمون، لم أتمالك نفسي. وقفت وقلت له أمام الجميع:"حرام عليك ما تفعله بهم!"
كن صادقًا معهم. قل لهم إن الغد قد لا يكون أفضل، لكن الاستمرار في المحاولة هو القوة الحقيقية.
قل لهم: "نعم، أنت تقدر... عندما تتعلم مهارة جديدة، أو لغة، أو تبني شبكة علاقات، أو تضع نفسك في مكان تواجد الفرص".
قل لهم إنك أنت – أيها المدرب – تعاني في بيتك من صعوبات يومية، فلتجرب أن تردد "أنا أقدر" مئة مرة عندما تواجه طلبات الحياة المستحيلة... ووقتها فقط سأصدق أنك تؤمن بما تقول.
لا تبيعوا لهم كلامًا فارغًا، ولا تخرجوهم من القاعة كالبالونات الممتلئة بالوهم، تنفجر عند أول صدمة.
ارحموا هذا الجيل. علموهم بالصدق. من تجاربكم الحقيقية، لا من عروض التمثيل.
لأن ما تفعلونه اليوم هو صناعة جيل محبط، يظن أنه فشل لأنه ابتسم طوال اليوم، لكن الحياة لم تبتسم له.
وأنتم يا شباب، يا فتيات:
اقرأوا التاريخ.
تعلموا من العظماء الحقيقيين، لا من شخصيات مهزوزة تعيش على بيع الوهم.
استثمروا في أنفسكم. استغلوا الإنترنت، وتعلموا كل يوم شيئًا جديدًا.
كونوا مستعدين... فالفرص لا تنتظر أحدًا غير الجاهز.
وسيّبكم من الوهم... لا تشتروا منه تاني.