العداء لعدن
كل الطرق تؤدي إلى اليمن الشمالي
لن تترك عدن تنعم بتحريرها ، ولن يتاح لها - مهما حاولت - ان تستعيد أنفاسها ،وستظل هذه المدينة رغم جنوحها للسلم ، في حالة حرب دائمة تفرض عليها ، على أكثر من جهة ومع أكثر من طرف من تلك الأطراف والجهات والقوى التي ترى في استقرار عدن وبناء مؤسساتها مصدر تهديد لمشاريعها وأطماعها ونفوذها.
قلق حقيقي استشعرته قوى عدة ، وهي ترى عدن تسير بخطوات وان كانت بطيئة ، باتجاه استعادة دورها كمدينة رائدة ،ومصدر للقرار السياسي والاقتصادي ،بعد إعلانها عاصمة مؤقتة ومحاولة نقل مؤسسات الدولة المركزية إليها ،وأهمها نقل البنك المركزي فسارعت هذه القوى لعرقلة محاولات نهوض وبروز عدن .
جهات عديدة أزعجها مجرد الحديث عن استعادة عدن لدورها الرائد في الاقتصاد وفي السياسة فعملت على بعضها على تعطيل خطوات بناء مؤسسات الدولة ، فيما أخرى سارعت إلى محاولات تقويض الأمن في المدينة لإظهارها بالمدينة غير الآمنة وغير المؤهلة لأن تكون عاصمة .
لوحده كان لقرار نقل البنك المركزي المفلس أصلا من صنعاء إلى عدن ،وقع الصدمة غير المتوقعة لكثير من القوى والجماعات والأحزاب اليمنية ، ومن تحالف معها ، فكان عويلها مسموعا ، وحزنها ملموسا وهي تشكك في قدرة وجاهزية عدن على استقبال هذه المؤسسة السيادية ، وحاولت من خلال حملة إعلامية محمومة إن تظهر عدن بالمدينة غير الآمنة وكان صنعاء لم تكن إلا مقاطعة سويسرية.
الغريب والعجيب والمريب إن العداء لعدن ، يجمع كل الفرقاء حتى الذين يقتتلون فيما بينهم في جبهات عدة نجدهم يتخندقون في جبهة واحدة حينما يكون الأمر متعلقا بعدن . لهاذ لا يبدو الشارع الجنوبي والعدني تحديدا قادرا في أحايين كثيرة على تحديد هوية الفاعل في وقائع وجرائم عدة تستهدف مدينتهم ومنها ما حدث بالأمس من محاولة استهداف للبنك المركزي بمدينة كريتر. إذ ان المصلحة في هذا الأمر تبدو مزدوجة ولأكثر من جهة أهمها وأولها جماعة الحوثي وصالح التي تحاول ان تعرقل عملية نقل البنك .
فيما لا يمكن إغفال خصم آخر يتمثل في جناح الإصلاح ومعه الطرف الشمالي المؤيد للشرعية ، ممن لم تتوقف وسائل إعلامهم عن الحديث عن عدم جهوزية عدن ،كعاصمة وكحاضنة للبنك في محاولة لتقديم محافظة مأرب الجمهورية الإصلاحية الفاضلة والمحصنة كبديل آمن وجاهز لتكون عاصمة بديلة لعدن ساعين في ذلك لتقويض جهود إعادة بناء مؤسسات الدولة التي يعتقدون انها لن تكون سوى مؤسسات لدولة الجنوب وليس دولة الوحدة. ومع الحوثي وصالح وشرعية الشمال وجماعة الإصلاح هنالك إطراف أخرى تسعى للنيل مما تحقق امنيا في عدن بقيادة المحافظ عيدروس الزبيدي ومدير الأمن شلال شايع من خلال محاولة هذه الجماعات تسجيل حضور ولو خاطف لها وليس هناك من مكان أكثر أهمية من البنك لتوصل من خلاله هذه الجماعة رسالتها بأنها مازالت موجودة وقادرة على الفعل.
في المجمل ومادمنا نتحدث عن واقعة البنك فيمكن القول ان مرتكبي هذا العمل يأملون من خلاله إقناع العالم وخاصة المؤسسات الاقتصادية الكبرى إن نقل البنك المركزي إلى عدن كان قرارا خاطئا وغير مدروس باعتبار إن الحياة في عدن لم تزل بعد غير طبيعية وبالتالي يجب إعادة النظر فيه إما ببقاء البنك في صنعاء تلبية لرغبة صالح والحوثي أو بنقله إلى مارب نزولا عند رغبة الإصلاح وشرعية الشمال الأخرى.
*محلل سياسي جنوبي