سمير عطا الله يكتب:
الزعيم والإنسان: الشاعر والديكتاتور
لم تجتذب حرب ذلك العدد من الأدباء والشعراء مثلما اجتذبت الحرب الأهلية الإسبانية: إرنست همنغواي من أميركا، أندريه مالرو من فرنسا، جورج أورويل من بريطانيا. اليسار العالمي جاء يقاتل الفاشية ممثلة بالجنرال فرنسيسكو فرانكو.
كان «الجنيراليسمو»، أو «القائد»، واحداً من أربعة ديكتاتوريين اتسم بهم القرن الماضي: ثلاثة في اليمين، هم هتلر وموسوليني وفرانكو، وستالين في الشيوعية. جميعهم منحوا أنفسهم «لقب القائد». فرانكو كان الأطول حكماً والأقل ضحايا: نصف مليون بشري.
لماذا اجتذبت حرب إسبانيا كل هؤلاء الأدباء الكبار؟ أحد الأسباب – في اعتقادي – لأنها بدأت بقتل الشاعر الغرناطي فيديريكو غارسيا لوركا، صيف 1936. ألف معارض حُملوا بالشاحنات إلى ساحة ترابية حمراء في خراج مدينة الحمراء، وأعدموا قتلاً بالرصاص. الدفعة الأخيرة كان فيها لوركا، صاحب «عرس الدم» و«أغاني الغجر». السن، 38 عاماً.
لماذا سميت الحمراء؟ أيضاً تفسير شخصي متواضع وغير مستند إلى شيء: لأن لون التربة في غرناطة مثل قلب الرمان. وهو هكذا في معظم الأرض الإسبانية. ولم أرَ في أرض لبنان شبهاً لروعة التربة الإسبانية حتى عندما تمنيت أن أرى.
لم يُنظر إلى فرانكو أنه الديكتاتور الأقل ضحايا، بل إنه قاتل الشاعر. هذا الذي يحدو الإسبان بقصائده في أحزانهم وفي فجاعة الفلامنكو. لذلك؛ تدافع رفاقه من كل مكان يشاركون في «عرس الدم».
بعد فرانكو، تعلم الديكتاتوريون في العالم تجنب الشعراء. وبعد ستالين، لم يُرسل أديب كبير إلى السجن. وفاز الروائي بوريس باسترناك بجائزة نوبل الآداب رغم إرادة موسكو. ولم يستطع الكرملين حيال ألكسندر سولجنتسين أكثر من نفيه إلى الولايات المتحدة، حيث عاش متذمراً من الحياة الأميركية أكثر من النظام السوفياتي.
توفي فرانكو خريف 1975 بعد الدخول في غيبوبة طويلة. ولم تجرؤ السلطات على إعلان وفاته أو نهاية حكمه؛ خوفاً من أن يكون ذلك يسبب حرب أهلية جديدة. وأثار ذلك عدداً من النكات حول العالم. ومنها أن فرانكو أفاق ذات يوم فسمع صخباً في الخارج، فسأل عن السبب، فقيل له: «إنه الشعب الإسباني جاء يودعك». فقال مستوضحاً: «ولماذا؟ إلى أين يسافر الشعب الإسباني؟».
وعندما طالت غيبوبته درجت محطة «إن بي سي» الأميركية على وضع «خبر عاجل» يقول «إن فرانكو ما زال ميتاً».
إلى اللقاء...