شيماء رحومة تكتب:

لا حياة دون حياء

إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إن لم تستح فاصنع ما شئت”، هذا الحديث النبوي ليس اعتباطيا فما نعايشه اليوم خير دليل على ذلك، إذ أن غياب مناخ أسريّ يضع مبدأ الحياء أعلى سلّمه القيميّ عند تربية الأبناء يعدّ علامة فارقة في تحديد سلوكياتهم دخل مجتمعاتهم.

يبحث بعض المهتمين بالشأن الأسري بجد عن حلول تخرج شباب جل الشعوب العربية من بوتقة الفساد لكنهم يجانبون الصواب، لأنهم يحاولون تقويم سلوكيات المنحرفين والمستعدين للانحراف دون مراجعة الأسباب الكامنة وراء ذلك.

والحال أن تفشي ظواهر كالاغتصاب والسرقة وتعاطي المخدرات لا تعشش هكذا فجأة في عقول مرتكبيها، بل هناك بوادر تنطلق أساسا من لحظة رفع الطفل رأسه بدل طأطأته في تحدّ أمام أحد والديه عند توبيخه، ثم في مواجهة أساتذته، ويظهر في عدم تبجيله لمن يفوقه سنا دخل وسائل النقل وبالأماكن العمومية، كذا حين يشاهد برامج تلفزيونية مخلة بالحياء على كثرتها دون اكتراث بمن يجالسه والأهم تلقينه لجملة من المصطلحات اللفظية الخارجة عن قواميس الأدب والحشمة وأخيرا مباركة مواكبته لآخر صيحات عالم الموضة والجمال.

كل هذه النقاط مجتمعة يفضي بعضها إلى بعض والحلقة الواصلة بينها إسقاط أحد العناصر الأساسية في عملية التربية وهي العفة، التي لا تعني بالضرورة حفظ غشاء البكارة بل هي حبلى بمعان ودلالات تتجاوز ذلك لعل أهمها تعفف النفس عن المفاسد، فمن الأجدى أن يشعر الطفل بالخجل من تلقاء نفسه في حال جاء بأي تصرف أرعن وهو ما يساعده على تهذيب سلوكياته.

يعتقد الكثير من الناس أن الخفر مقترن بالنساء دون غيرهن وقد تغنى الشعراء قديما وحديثا بذلك، في حين أن اللياقة والكيـاسة تستـدعي أن يتحلى بهـذه الخصلة الحميدة الكبار والصغار، الشيب والشباب، الذكور والإنـاث، لبناء مجتمع آمن، وعلى رأي الشاعر أبي تمام “فلا والله ما في العيش خيرٌ *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ”.

كذا يذهب في ظن البعض أن الوقاحة والتجاسر إزاء الآخرين جرأة وقوة للحصول على حقوقهم، حتى أن بعض أولياء الأمور يتفاخرون بمثل هذه السلوكيات التي يأتي بها أبناؤهم عمدا عند مواجهتهم مواقف معينة، ولا يرون أن في ذلك تواقح يفصل أطفالهم شيئا فشيئا عن التحلّي بسمة الحياء، فيربون صغارهم على الانحلال والتسيب دون إدراك لعواقب لا تزرع بأفكارهم وتصوّراتهم سواء العهر والفجور.

انتهاك حرمة الآخرين وخصوصياتهم أيضا تبدأ منذ اللحظة الأولى التي يشجع فيها الأهل صغيرهم على استعراض ما يقوم به الأجـوار أو بعض أفراد العائلة، دون محاسبته وإرشـاده إلى مغبّة صنيعه، لا سيما حين يسـرد المتلصص الصغير بكـل تبـاه مشاهدته إحـدى نساء العائلة وهي تغير ملابسها واصفا البعض من تفاصيل جسدها، أو يجهر اللص المدلل متبجحا بمسروقاته من المدرسة أو منازل الأصدقاء.

كما أن بعض الأسر لا تمانع صفاقة أبنائها في الرد على من كان أكبر منهم سنا، كل هذه التصرفات التي قد يراها الأهل عادية وبسيطة ولا تنطوي على ما يشكل ضررا للآخرين، هي باعتقادي مربط الفرس لمعالجة العديد من القضايا المتفشية في مجتمعاتنا العربية، فالحياء إحدى عرصات قيام أي دولة، ويوجد في نظام التعليم الياباني ما يوضح ذلك، إذ أنه حريص على أن يتشبع طلبته بكل ما من شأنه أن يهذب سلوكياتهم، حتى يشب اليابانيون على مبدأ الاحترام المتبادل ومن هنا نشأت ثقافة الاعتذار التي يشتهرون بها فلا يمكن لأي فرد أن يعتذر إن لم يستشعر في تصرفاته خطأ أو خللا ما هذا الخجل يترجم بكلمات للاعتذار.