شيماء رحومة يكتب:

كعكة لكل مناسبة

تكمن أهمية التوثيق في التعريف بمدى التطوّر الذي حصل في مجتمع ما في جميع تفاصيله في الزمن الماضي، وبما أن لكل عصر أحواله فإن حركة التوثيق تنعش ذاكرة الأمّة بمستجدات لا تبلى مع الوقت.

ومع تغير الأزمان الكثير من التفاصيل تسقط لتصبح فصلا من فصول حقبة ما، وتستبدل بمجريات جديدة تواكب التطوّر، وإذا ما حاول أي شخص، باستثناء الجيل الجديد، العودة إلى الماضي لاستحضار بعض اللحظات من طفولته فلن يجد غير مجموعة من الصور التي تقاوم ألوانها الأفول إن لم تكن بالأساس بالأبيض والأسود.

وغالبا ما لا توثق هذه الصور كل عبثنا الطفولي البريء وهو ما يكشف عن نماذج من أولياء أمور تربوا على الحشمة ولا زالوا يعيشون في جلابيب آبائهم. لكن الأجيال قطعت بفضل التكنولوجيا مسافات وسّعت الهوة بين عصرين غير متباعدين، لتمضي بالعائلة إلى كتابة فصل جديد في التاريخ المعاصر.

الأمر لم يعد مرتبط فقط بصورة عفوية يتيمة توثق اللحظة، بل أصبح بروتوكولا يحدد جملة من القواعد فرضتها مواقع التواصل الاجتماعي، حيث صار كل حدث، سعيدا كان أو حزينا، مرتبطا بحفلة توزع صورها بين الصفحات وأحيانا “الغروبات” عبر موقع فيسبوك!

ومن بين هذه الحفلات التي تتخذ من نوع الحدث المحتفل به تسمياتها، حفل فطام وآخر نجاح طفل في التخلي عن الحفاظات وأيضا الاحتفال ببزوغ أول سن وهكذا! الأم لم تستح من نشر صور حفل تخلي صغيرتها عن الرضاعة الطبيعية على “غروب” فيسبوكي، لاسيما وأنها اختارت أن تزين كعكة المرطبات بصورة لثديين.

مبدأ ربط كل حدث بحفل يَنمّ عن رغبة في فرح مفقود داخل مجتمعاتنا وبين أفراده، وإلا كيف يرتبط الطلاق بحفل فمهما كانت درجة مقت الزوج أو الزوجة لحياة زوجية لم تحمل من السعادة وتأسيس عائلة إلا الاسم

 نعم هو غروب نسائي، لكننا في زمن لا مأمن فيه من استراق النظرات لصفحات الزوجات أو الصديقات أو الأخوات. أما الحفل الآخر فإن كعكة المرطبات اتخذت شكل حفاظات، لكن أن تنشر إحدى “الفاشنستات” على إنستغرام مقاطع فيديو من حفل توديع عزوبية جمعتها بأقرب صديقاتها بملابس نوم مع حركات تحمل الكثير من الإيحاءات المتعلقة بليلة الدخلة، ففيه مغالاة في توثيق الأحداث الهامة في حياتنا.

الخوف من أن ينقل الجيل الصاعد تفاصيل التفاصيل من بوابة توثيق اللحظة بعد الفطام والتخلص من الحفاظات ماذا يمكن للأم أو الأب توثيقه في علاقتهما الوثيقة بمراحل نمو صغيرهما؟

من جانب آخر فإن مبدأ ربط كل حدث بحفل يَنمّ عن رغبة في فرح مفقود داخل مجتمعاتنا وبين أفراده، وإلا كيف يرتبط الطلاق بحفل فمهما كانت درجة مقت الزوج أو الزوجة لحياة زوجية لم تحمل من السعادة وتأسيس عائلة إلا الاسم، لا يعطي لأي منهما الحق في الاحتفال.

هذه الكعكة لكل المناسبات تؤكد على مدى تأثير المنصات الاجتماعية مع الوقت على واقعنا، ولا يستبعد أن ينتقل الاحتفال كما العزاء إلى هذه المواقع بشكل كلي، فإلى الآن كل ما يحدث أننا ننقل ببث مباشر أو عن طريق الصور كل ما يحفّ بنا آنيا من أحداث حتى عند فقد عزيز، ونتابع التعليقات و”اللايكات” ولا نكاد نفوّت واجب الرد على أصدقائنا.

لكن هل يعني هذا أننا فقدنا أم نفتقد متعة اللحظة؟ فالإغراق في تصوير المناسبة يحيل بالضرورة إلى خسارة الاستمتاع بالحفل، لأن الذهن منصرف إلى التصوير ومع ذلك لا يأسف المرء على ما فاته، مما قد يعني أنه فاقد بالأساس للرغبة في الاستمتاع وأن متعته الحقيقية يجدها في نقل لحظاته المناسباتية على المواقع الاجتماعية، وكثيرا ما تكون إجابة محبي التقاط الصور حاضرة على طرف ألسنتهم عندما يردعهم أحدهم بالقول “اتركوا التصوير وشاركوا الحاضرين الرقص”.. فتأتي الإجابة “أنا هنا أساسا من أجل الصور”.