شيماء رحومة تكتب:
عيدكم سعيد لكن دون قُبل
“تحدي قبلة العيد”.. قد تبدو فكرة مجنونة بالغرب لكنها واردة جدا في المناخ العربي لأن القبلة متغلغلة في صميم طقوس الاحتفاء بأي مناسبة حتى وإن كانت مأتما.
فمع الاقتراب أكثر من يوم عيد الفطر يصبح التفكير في مثل هذا التحدي أمرا طبيعيا ومتوقعا أمام سياسة الانفتاح شبه الكلي التي طالت عدة دول بعد أن كان الإغلاق الشامل هو الجامع بين مختلف الأعراق والأجناس فأينما يحط فايروس كورونا رحاله فثمة هذا الإجراء الاحترازي.
لكن التحدي الحقيقي لا أظنه يكمن في القبل ولا في عددها بقدر ما يعري فكرا عربيا مخصوصا يصر على تحدي كورونا في حد ذاته، فالقبلة في زمن الوباء ليست ودا موصولا بل نكاية في ذاك الفايروس.
تقول الحكمة “لا تتحد إنسانا ليس لديه ما يخسره” فما بالك بتحدي شيء لا مرئي يحمل الموت والفناء أينما حل! لكن هل خوفا أم جهلا يتحدى كثيرون هذه الجائحة بكل ما تحلوا به من إصرار وعناد؟
تبدو علاقة كورونا بالعالم العربي لغزا يعجز العرب أنفسهم عن التوصل إلى حل شفراته فهو عصي على الفهم، يحتاج إلى سيل من البحوث والدراسات قد تتجاوز مسألة العكوف في المختبرات لإيجاد لقاح له.
وهذا القصور في فهم ضيف ثقيل الظل يسافر في كل الدنيا ويجوب الأرض طولا وعرضا لم يمنع الناس من خوض تحدي الخروج أفواجا ليسرحوا ويمرحوا احتفالا برفع الحظر عنهم دونما مراعاة لمبدأ التباعد الاجتماعي، فكل همهم منكب على تنفس الحرية حتى وإن كان الموت متربصا بهم في كل مكان.
ذكرني تحدي كورونا بتحدي جحا للناس حين قَبل دُونهم بتعليم حمار الحاكم القراءة والكتابة، وبدأت القصة حين قرّر أحد الحكّام أن يبدأ بإصلاح التعليم في بلده، فجعل غاية الإصلاح أن يتعلّم حماره القراءة والكتابة! أرسل يطلب المعلّمين، فاعتذروا جميعا إلا جحا الذي قبل التحدّي، ولكنّه طلب أن يمهله الحاكم عشر سنوات. وعندما لامه النّاس لقبوله هذا التحدّي قال لهم: يا قوم، بعد عشر سنوات إما أن يموت الحمار وإما يموت الحاكم وإما أموت أنا!
وبذلك لا يكون أمام الناس وفق فلسفة جحا إلا أن يراهنوا على الزمن والأقدار، معتمدين سياسة الانتظار.
ولكن هل سيمنح هذا الفايروس الذي بدأ يسجل تراجعا في العديد من الدول بحسب آخر المستجدات المتابعة لعدد المصابين والموتى بشكل يومي، الناس فرصة العيش بسلام أم أنه بصدد استجماع قواه ليكشر من جديد عن أنيابه ويهاجمهم بأكثر شراسة وتطور؟
وبعيدا عن عالم كورونا عيدكم سعيد لكن عن نفسي دون قُبل فأنا لا أقبل التحدي.