شيماء رحومة تكتب:

هيّا نُقنْبِلْ الأجواء قليلا

ما كان دخيلا على المجتمعات التي تعج بمخزون لا ينفد من أعراف ونواميس الأسلاف، مع الوقت يصبح متغلغلا في يوميات أفرادها وتنتج عنه أحداث ومواقف جديدة، فبين الفينة والفينة صار البعض يستعين بقنبلة لقضاء مصالحه!

نعم قنبلة! هذا الإدعاء الكاذب وليد معايشة العالم اليوم للإرهاب الذي بات واقعا مريرا يدير خلية لا تستنفد طاقات بشرية شابة فقط بل وتؤثر بشكل سلبي على أفكار قسم كبير من الناس، حيث أضحى البعض يزعم بوجود متفجرات في أماكن معينة ويثير بلبلة لأنه مثلا وصل متأخرا عن موعد الطائرة فأقلعت دونه.

بلاغ وجود قنبلة في الطائرة كفيل بعودة قبطانها على عجل، وبالتالي يضمن هذا المسافر الركيك السفر، وكذا صارت حجة القنبلة تَكتب سيناريوهات متماثلة أبطالها أشخاص متشبعون بحب الذات لا يحترزون من عواقب بلاغهم الكاذب.

يمكن تبرير اللحاق بالطائرة، لكن كيف بالإمكان تفسير إدعاء وجود قنبلة في المطار أملا في مواعدة مضيفة؟ وبسبب ذلك سيواجه رجل صربي تهمة التسبب في حالة ذعر واضطراب، حيث أقر بأنه وجه بلاغا كاذبا عبر الهاتف بادعاء وجود قنبلة في مطار بلغراد لأنه كان يأمل في مواعدة مضيفة طيران، قائلا إنه حين لم يجدها في الفندق الذي كانت ترتاده، اتصل بالمطار وادعى وجود قنبلة في الطائرة سعيا منه لتفادي مغادرة المضيفة بلغراد.

نتج عن فعلته إجلاء 130 راكبا بالإضافة إلى أفراد الطاقم الخمسة كما اضطروا إلى الانتظار عدة ساعات أثناء قيام وحدة شرطة خاصة بفحص الطائرة، قبل أن يؤذَن لها بالمغادرة إلى فرانكفورت. التأخير والرعب وحالة الفوضى قد تكلف المطار مبالغ ضخمة لسبب بسيط؛ مواعدة مضيفة! هل سجن هذا الرجل سيخفف ثقل هذه الخسارة التي تكبدها المطار؟

لا يستبعد أن يتحول هذا الإدعاء إلى لعبة في أيادي الطلبة كلما راق لهم عدم حضور درس من الدروس

وأمام الكم الهائل من البلاغات التي يزعم أصحابها بوجود قنبلة باتت المحاكم تطبق قانونا يدين هذه السلوكيات، إذ حكم على طالب فرنسي، منذ فترة، بالسجن تسعة أشهر مع وقف التنفيذ لإدانته بتقديم بلاغ كاذب في يناير يفيد بوجود قنبلة على طائرة بهدف منع والديه من السفر لزيارته.

عشرات الآلاف من الأشخاص يموتون في مختلف مناطق العالم بسبب زراعة أيادي الإرهاب الغادرة للمتفجرات، وعلى الرغم من مثابرة رجال الأمن في عمليات إنقاذ الأرواح البريئة، فإن مثل هذه التصرفات غير المسؤولة تعطل مهامهم وتصعّبها.

ولا أظن أن من يزعم بوجود قنبلة يجهل أنها أداة متفجرة تستخدم أساسا من أجل قتل الناس، وسيستدعي بلاغه الكاذب حالة استنفار قصوى، وأن قنبلته الوهمية لن تنفجر إلا في وجهه حين يكتشف رجال الشرطة مصدر المكالمة وصاحبها وهذا الأمر غير عسير مع تطور تكنولوجيا الاتصالات.

ولا يمكن اعتبار كل من قدم بلاغا يفيد بوجود قنبلة شخصا يعاني من مشكلات نفسية، ولو كان الأمر كذلك لصارت المجتمعات تعج بالمرضى النفسيين، فسجلات الأبحاث التي تؤكد من حين إلى آخر ارتفاع حالات الاكتئاب في صفوف الناس، لا تستوعب المزيد.

ولا يستبعد أن يتحول هذا الإدعاء إلى لعبة في أيادي الطلبة كلما راق لهم عدم حضور درس من الدروس، ويصبح الاختفاء وإخفاء دفتر المناداة أمرا من الماضي. ومن يدري، فقد يصيح أحدهم في الفضاءات التجارية الكبرى “هناك قنبلة في المبنى” لا لشيء إلا لأنه ملّ الوقوف في الطابور ويريد المغادرة بسرعة.

وهكذا يصبح وجود قنبلة تجول بالشوارع والمباني أمرا طبيعيا تستدعيه حاجة المواطن لقضاء شأن من شؤونه الخاصة. لكن المفارقة أن القانون يدين هذه التصرفات في حين تتداولها المواقع الإلكترونية والصحف الورقية والصفحات الاجتماعية على أنها أخبار طريفة تداعب بها نفسية القراء المكتئبة بسبب تفشي الإرهاب!

كما أن هذا الانتشار قد يدفع الشباب المرتبطين كثيرا بكل أجهزة التكنولوجيا الحديثة إلى الوقوع بسهولة في موجة تقليد أعمى تحول المجتمع إلى قنبلة موقوتة بإمكانها الانفجار في كل آن وحين بمنزل من المنازل أو حي من الأحياء لأن الأبناء نشب بينهم عراك أو أراد أحدهم تأديب عائلته مثلا.