شيماء رحومة تكتب:

”فيس آب”.. فجأة "أمسى المشيب من الشباب بديلا"

“أمسى المشيب من الشباب بديلا * ضيفا أقام فما يريد رحيلا”.. الشاعر مروان بن أبي حفصة حين كتب هذا البيت في صدر الإسلام لم يكن يتصور أن الطفرة التكنولوجية التي اجتاحت العالم ستقطع كل المسافات الفاصلة بين المراحل العمرية بكبسة زر.

وأثبت يوروسلاف غونشاروف، من خلال تطويره لتطبيق على الهواتف الذكية يعرف باسم “فيس آب”، أن عملية الانتقال إلى سن الشيخوخة أسهل وأيسر مما يكون.

وشرح مؤسس التطبيق الروسي أن المنصة تعتمد على شبكات عصبية حتى تقوم بتعديل الصورة، لكن مع الإبقاء عليها في هيئة واقعية وقريبة من الأصل.

ولا جديد في “فيس آب”، إذ تظهر بين الحين والآخر إما تحديات وإما تطبيقات تقلب حياة رواد الشبكة العنكبوتية رأسا على عقب ويسارع الجميع إلى مشاركة تجربتهم في العالم الافتراضي. لكن الاختلاف في هذا التطبيق الذي يتيح لمستخدميه ثلاث مراحل عمرية فإما أن يكون في مرحلة الشباب وإما في مقتبل العمر وإما في سن الشيخوخة، أن أغلب مستخدميه بين مشاهير وأناس عاديين خيروا المشيب على الشباب.

ولم يمر الأمر دون انتقادات لاذعة من قبل النشطاء على المواقع الاجتماعية كان من بينها “ما الداعي للتكالب على عمليات التجميل ما دام الجميع يعشق المشيب؟”.. وأرجع البعض السبب إلى الفضول.

تحول الصفحات الاجتماعية إلى “دار مسنين” كما وصفها البعض، هل يكشف فعلا عن فضول ورغبة لا يقاومان في مسايرة أي موجة تجتاح الفضاء الافتراضي أم يزيح النقاب عن رغبة في معرفة أشكالنا في سن باتت بعيدة المنال بفضل تشبع الشق الأكبر من الناس بثقافة التجميل لمقاومة التجاعيد؟

هل أسقط التجميل مرحلة مهمة من المراحل العمرية في حياتنا وفضح التطبيق الروسي رغبتنا في معايشتها؟

الطريف في الأمر أن بعض المشاهير شارك صوره مع متابعيه في غفلة من خبراء التجميل الذين يسعون بكل السبل إلى جعله في شباب دائم، وعاش لأول مرة سنه الحقيقي! ومهما كانت الهيئة التي بدا عليها الأشخاص، فإنهم ذاقوا طعم وقار المشيب واختبروا ما تصنعه التجاعيد بملامحهم من أخاديد وتعرجات لا يعرفها إلا من كان الشقاء والتعب رفيق دربه الطويل.

الشيب في جانب من جوانبه يُبِين عن فوراق كبيرة بين فئتين من المجتمع إحداهما تكافح من المهد إلى اللحد وعنها قال الشاعر العباسي أبوالطيّب المتنبي “والهمّ يخترم الجسيم نحافة * ويُشيب ناصية الصبي ويُهرم”، والأخرى تتقلب في رغد وبحبوحة من العيش.

لكن غونشاروف ساوى بين الجميع في لحظة مجنونة وحولهم إلى جدات وأجداد سعداء بهيأتهم العجائزية!

أما الجانب الآخر لـ”فيس آب” فيتمثل في أنه جعل شريطا من الذكريات تحوم في بعض الأذهان منبهة أصحابها إلى أن العمر يمضي بأسرع مما كنا نتصور وأنه في خضمه يمكن أن تضيع سنون العمر في القلق على الغد دون الاستمتاع باللحظات الراهنة.

وقد انتبهت بعض المواقع الإلكترونية بعيدا عن كم التحذيرات التي أطلقها الخبراء حول إمكانية سرقة بيانات مستخدمي التطبيق، إلى ضرورة تقديم نصائح للقراء حول كيف يصبحون أكثر سعادة قبل أن يتقدموا في العمر؟

ومن بين هذه النصائح أن يتقبل المرء نفسه بكل عيوبه، وأن يهتم بصحته، لأن أحد الأشياء التي يفتقدها الناس عندما يتقدمون في العمر هو التمتع بصحة جيدة، وألا يكون أحد الذين يعيشون للتخطيط للمستقبل  ويفقدون فرصة العيش في الوقت الحاضر.

ويبدو أن التطبيق لم يكتف بحمل مستخدميه في رحلة عمرية فاقت سرعتها خيال كتاب سيناريوهات القصص الكرتونية، إذ أنه أزاح في فترة وجيزة الستار عن جملة من المكبوتات والأفكار والخلفيات، وتوزعت القراءات التي حافت به وتنوعت ودخل الدين على الخط من جديد، حيث قال رجل دين أزهري إن التطبيق حرام شرعا ولا يجوز استخدامه لأنه يغير خلق الله.

ومهما كانت نوايا غونشاروف المبيتة من وراء هذا الاختراع حتى وإن كانت شأنها شأن الكثير من التطبيقات الأخرى والألعاب الإلكترونية سرقة بيانات المستخدمين أو تغيير خلق الله، فإنه أظهر للعلن الرغبة الكامنة في دواخلنا بأن نمر بجميع المراحل العمرية وألا نسقط من التسلسل العمري أيا من مراحله، كما أبان لنا التوزيع غير العادل لأعمارنا فنحن مجتمعات تهرب من الشيخوخة بأي ثمن لكنها تعيش حاضرها في التخطيط للغد فلا هي بمستمتعة بحاضرها ولا مدركة لغدها.