فاروق يوسف يكتب:

ليس لدى العراقيين مَن يبكي عليهم

إذا صحت الشائعات التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي عن التشكيل الوزاري الجديد الذي سيحكم العراق في المرحلة المقبلة فإن ذلك يعني أن كل ما قيل عن السعي إلى تصحيح العملية السياسية وإصلاحها من داخلها هو مجرد هراء وأن نظام المحاصصة الطائفية يحظى بقبول كل الكتل السياسية ومن خلفها الدولة الراعية للعراق الجديد وهي الولايات المتحدة.

في وقت سابق تمنى الكثيرون لو أن الأحزاب التي تخفق في تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر تذهب إلى المعارضة في بادرة تخفف من وطأة الشعور المخزي بحقيقة أن العراق تحول إلى غنيمة حرب، صارت الأحزاب التي قدمت مع المحتل الأميركي تتقاسمها في سياق نظرية “لا غالب ولا مغلوب” بعد كل انتخابات يفشل فيها الشعب العراقي في التعبير عن إرادته.غير أن شيئا من تلك الأمنية لن يرى النور.

لقد قرر المنتصرون والمهزومون أن يعودوا بعد مفاوضات شاقة إلى الطاولة نفسها التي بدأت عليها عمليات تشريح الفريسة التي اسمها الرسمي العراق فيما يلمع ذهب ثرواتها في عيون المجتمعين، كونها الكنز الذي استولى عليه قراصنة القرن الحادي والعشرين وفتحوا أبوابه لأتباعهم من العراقيين من أجل أن يمارسوا عمليات النهب في ظل قوانين صارمة تحميهم، بضمنها حصانة دبلوماسية مستلهمة من دستور كُتب بذكاء خبيث وماكر.

الغريب أن المهزومين وفي مقدمتهم نوري المالكي، وهو مخترع واحدة من أكبر ماكنات الفساد في التاريخ البشري، لم يكذبوا على الشعب؛ فهم لم يعدوا بشيء يتنافى مع نزعتهم الطائفية. المنتصرون هم الذين كذبوا حين وعدوا الشعب بحكومة عابرة للطائفية، حكومة تضع نصب عينيها ما يعيد العراقيين إلى زمن الخدمات من خلال اعتمادها على الكفاءات المستقلة التي لا يزال الكثيرون يراهنون على وجودها.

كذب مقتدى الصدر ومعه حيدر العبادي وخلفهما الشيوعي رائد فهمي. فالكفاءات التي ستقع عليها مسؤولية إدارة الدولة في المرحلة المقبلة تتوزع بين الصدريين وحزب الدعوة وفهمي نفسه الذي سبق له أن كان وزيرا لدى نوري المالكي، إضافة إلى ممثلي الحشد الشعبي الذين سيكون عليهم تعديل مسار القرار السياسي إذا ما تعلق الأمر بمصالح إيران في العراق.

كما جرى تزيين الوضع بشخصيات سنية وكردية، عرفت بتاريخها في تكريس الطائفية والعرقية طريقاً للدفاع عن صفقاتها المليارية التي جرت من تحتها أنهار من دماء العراقيين التي لا أحد ينظر إليها بطريقة جادة.

لا كفاءات عراقية إذاً خارج ما يمليه نظام المحاصصة من خيارات ضيقة، حصرت تاريخ العراق التعليمي والتربوي والثقافي والعلمي كله بين قوسي الشهيد الصدر الثاني وبين مقابر آل برزان مرورا بالفئات التي لعبت على الحبال كلها وفازت باللذات من غير أن تمد يداً إلى المنكوبين الذين كانت تتاجر بدمائهم ودموعهم وفجائعهم ونسائهم المعتقلات والمغتصبات.

خان المنتصرون مرة أخرى الأصابع البنفسجية التي ساهمت من غير قصد في صعودهم. غير أن وقع الخيانة هذه المرة سيكون أقسى.ففي ظل وصول الشعب إلى مرحلة الانفجار بسبب الجوع والعطش والبطالة والتهميش ومصادرة حق العيش الكريم فإن العودة إلى النظام الذي أسس لكل تلك المآسي إنما تعبر عن ازدراء الطبقة السياسية الحاكمة للشعب وعدم اكتراثها بمعاناته بل واحتقاره من خلال تذكيره بحقيقة أنه لا يقوى على القيام بشيء يُقلقها ويهددها بالجلاء عن السلطة وهي التي تتمتع بحماية أميركية- إيرانية.

من وجهة نظري فإن الطبقة السياسية الحاكمة في العراق قد اختارت هذه المرة أن تضع الأقنعة جانبا وتكشف عن وجهها الحقيقي.

“الحماية الأجنبية هي مصدر كل السلطات وليس الشعب”، تلك الجملة هي فحوى ما سيشهده العراقيون في المرحلة المقبلة. وهو ما يعني أن شيئا من مطالبات محتجيهم لن يرى النور. سيبقى الوضع على ما هو عليه، إلا إذا قرر العراقيون عدم انتظار مَن يشفق أو يبكي عليهم وبادروا بأنفسهم إلى تغيير الوضع بما ينسجم مع إرادتهم في الحياة.