فريدة أحمد تكتب لـ(اليوم الثامن):
أسرى الجماهير
"إنني من هذا المنبر أعلن أن كل شيء منكم وإليكم, أنتم أصحاب الشرعية الحقيقية, منكم استمدت القيادة قوتها وتحصنت, أنتم أصحاب الأرض والسيادة والإرادة, التفويض منكم ولخدمتكم ونحن بدونكم لا شيء, سنفعل وسنعمل وسنقدم .. أنتم وأنتم وأنتم... ".
تصفيق وزعيق وهتافات جماهيرية: بالروح بالدم نفديك يا قيادة .. بالروح بالدم نفديك يا وطن.
ينتهي المهرجان, تتصافح الجماهير المتراكمة في الساحات وتودع بعضها البعض, كلٌ يعود إلى بيته محملا بخطاب موهوم كسابقيه, لا يزيده مع الوقت إلا هشاشة وإحباط. ما هو الجديد إذاً؟
قادة استمرأوا رص الكلمات وبيع الوعود الخاوية, واستغل البعض منهم مكانته الجماهيرية, من أجل تحقيق أهداف لا علاقة لها بمطالب الجماهير التي خرجت لأجل ثقتها في قدرته على تحقيقها, بل وانتزاعها دون تردد. لكنه يظل يخذلها في كل مرة بحجج واهية ودعوات أخرى للخروج والضغط, للمطالبة بحقوقها للمرة الألف.
نعم كلمة الجماهير مهمة, وصوتهم يجب أن يُسمع, لم تكن مطالبهم في يوم من الأيام باطلة أو لا مكان لها على أرض الواقع, جماهير في أماكن مختلفة من العالم غيرته بخروجها للتظاهر والاعتراض, البعض منها أحدث ثورات قلبت أنظمة حكم وغيرت الكثير والكثير. لكن نقطة الخلاف الجوهرية هنا هي كيف؟ وبمن؟ بكل بساطة, بقادتها.
القادة الذين يعملون من أجلها ومن أجل رفعة بلدانهم, لا يعملون من أجل مصالح ذاتية فقط, وما أن تنقضي يهملون احتياجات جماهيرهم, ويختفون عن الأنظار ويتحصنون في بروج عالية. نعم هكذا يفعلون مع الأسف, وعندما يحتاجون لتلك الجماهير التي أضاعوها وأهملوها يحيونها من جديد إن أرادوا, بدورات أخرى ومتكررة من الخطابات والوعود, وكأن في الحالة التي يمر بها هؤلاء القادة نوع من الإدمان لسماع الهتافات والتصفيق فقط, على شيء لم يقدموه لهم في الأساس.
أنت كقائد مفوّض, بإمكانك عمل الكثير لأجل شعبك, أنت من يقودهم بعد مرحلة التفويض لا هُم. فعند كل نقص في احتياج (أساسي) لحياتهم وليس ترفيهي, كنت قد وعدتهم بتوفيره, عليك أن تفي بذلك, لا أن تتنصل بدعوتهم للخروج مرة أخرى للضغط على جهات ربما يكون تأثيرها وقرارها أقل منك, لكونك تملك القوة السياسية والدعم الشعبي, وهذا بحد ذاته كافٍ لتحقيق أي شيء.
لا يمكن للقائد الحقيقي أن يبقى أسير جمهوره, القائد هو الذي يعلّم الطريق، ويمضي في الطريق، ويبين لنا ماذا يوجد في هذا الطريق. كما قال "جون ماكسويل". لا أن يبقى في مكانه, أو يظهر في المناسبات الموسمية على الجماهير لإسماعهم كلمات ربما سأموا من سماعها, وحثهم على التحرك وكأن ليس بيدهم شيء, لأنه قد يأتي وقت يفقد فيه القائد جاذبيته التي يسحر بها جماهيره, وهو ما يجعل منهم على أن يكونوا أكثر حيطة وحذر من الانبطاح لقائد جديد لم يؤدي ما عليه من واجبات أمامهم.
واقع الحال, لابد أن يكون هناك خوف عميق من الجماهير وتصميم حقيقي وفعلي لخدمتهم, لأنهم في الأخير يفكرون بمصالحهم بشكل منطقي ويتحركون على أساس ذلك, لم يوجَدوا لأجل التطبيل والتزلف للقادة, وجدوا من أجل مطالبهم وآمالهم, من أجل حياة رغدة وآمنة وكريمة لهم كبشر أولاً وأخيراً