سمير عطا الله يكتب:

الزعيم والإنسان: صديق أدباء نوبل

لست أعرف عن زعيم سياسي أقام ذلك العدد من الصداقات الأدبية الذي أقامه فيدل كاسترو، وبينهم ثلاثة من حملة نوبل. عندما اغتيل جون كنيدي دخل عليه مساعده ليبلغه النبأ، فكان مجتمعاً إلى الكاتب الفرنسي جان دانيال، الذي كان يحاول القيام بوساطة بين الرئيس الأميركي والزعيم الكوبي.

وبعد ذلك، دخل حامل نوبل، غابرييل غارسيا ماركيز، في وساطة بين كاسترو وبيل كلينتون عام 1996. وقال له يومها: أنا واثق من أنكما إذا التقيتما وجهاً لوجه، فسوف تحل المشكلة فوراً.

كان ماركيز أشهر أصدقاء كاسترو وأقربهم إليه بين الكتّاب. وكان الوحيد الذي يجرؤ على نقده. وعندما كان يقيم في هافانا كان كاسترو يفاجئ صديقه وزائريه ويبقيهم، كالعادة، ساهرين حتى الفجر. وعندما يطل كاسترو من الباب نحو الثانية صباحاً، كان ماركيز يقول للزوار متأففاً: يا جماعة، لقد طار عليكم النوم.

حاول معظم كتّاب اليسار في أوروبا وأميركا اللاتينية التقرب من كاسترو والانتساب إليه. وكان من أبرزهم الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه الذي عيّنه فرنسوا ميتران مستشاراً له بعد عودته من بوليفيا، حيث كان يقاتل إلى جانب تشي غيفارا. وقبل ذلك، درّس الفلسفة في جامعة هافانا. لكن دوبريه، مثل أصدقاء كاسترو الآخرين، فارغاس يوسا (البيرو) وخوليو كولتزار (الأرجنتين) خرجوا لاحقاً على أفكارهم اليسارية واتهموا بالرجعية. ويقول دوبريه إنه ليس هو من تغير، بل أحوال العالم. ويعطي مثالاً على ذلك الهند، التي كانت نموذج الفقر والفاقة، وأصبحت نموذج التقدم والتكنولوجيا.

دافع «أدباء كاسترو» عنه وعن كوبا، في حين كان يتعرض للحملات في الغرب. ولم يتردد ماركيز في المقارنة بين الثورة الكوبية والتجارب المثالية في المساواة. ورأى في كوبا ما رآه بارتولومي دي لا كاساس في «المجتمعات الهندية» قبل وصول الرجل الأبيض إلى أميركا: في الثقافة الهندية لا وجود للسرقة، أو العنف ضد النساء، أو الموت عنفاً، أو الإهانات أو النقاشات الحادة، وبالتالي فالجميع يشعرون بالرضا. في حين أن الإسبان الذين جاؤوا إلى العالم الجديد، استغلاليون غير متمدنين وقساة.

ولا هو أخفى إعجابه بصاحب التجربة نفسه يوم «كان يظهر على التلفزيون فجأة ليوضح مشكلة جديدة تعترض الثورة، ويظل يتحدث من الرابعة بعد الظهر حتى منتصف الليل من دون توقف لحظة واحدة يتمكن خلالها الموظفون من الذهاب إلى الحمام».

لم يلتق كاسترو وإرنست همنغواي سوى مرة واحدة، لكنه عثر في الروائي الأميركي أيضاً على مناصر له. فقد أحب همنغواي كوبا التي عاش فيها وانتحر فيها، وفيها كتب «الشيخ والبحر» التي نال عليها «نوبل» الآداب.

*نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"