سمير اليوسفي يكتب:

(السيد) لا يَحْكُم غير (العبيد)!!

دخل النظام الجمهوري صعدة بالتوافق عقب التوقيع على اتفاقية جدة، في مارس عام 1970م، بعد ثماني سنوات من ثورة الـ26 من سبتمبر.

ولا يثير ذلك اندهاشاً، لأنّها كانت معقل الإمامة منذ انتقل إليها الهادي يحيى بن الحسين من الرس في المدينة المنورة، ليصبح أول أئمة اليمن.

وعمل الطغاة من نسله على تحويلها إلى مدينة مُغلقة تضفي عليهم قداسة مُزورة باسم الدين الذي شوهوه وانقلبوا عليه.

غير أنّ ما يثير الاستغراب والاستهجان: تعمد النافذين وأصحاب السطوة من مشايخ صعدة ووجاهاتها بعد دخول النظام الجمهوري على إبقائها بعيدة عن المدنية والتحديث وحرصهم على النأي بأبنائها عن الانخراط في التعليم المدرسي فضلاً عن العالي، خوفاً من إفلاتهم من كماشة (السيد والشيخ).

كما أنّ تأسيس (معهد دار الحديث) في (دماج) لم يؤت ثماره المرجوة بين أبناء صعدة -وعلى العكس- فقد تحوّل عند مراجع الزيدية إلى حافز للاستنفار والمواجهة، وذريعة للاصطفاف.. وبعث في نفوسهم روح التحدي لإحياء الفكر الإمامي من جديد. وبالتالي فقد بقيت هذه المحافظة المغلقة خالصة للهادوية ومخلصة للإمامة.

في ثمانينات القرن الماضي، اختلف (مجدالدين المؤيدي) و(بدرالدين الحوثي) -وكانا من كبار مراجع الإمامة الهادوية في اليمن- حول كيفية التعامل مع (دار الحديث) السلفية في صعدة.

‏‎كان مجدالدين يرى مُقارعتها بالبراهين والحُجج، باعتبارها تنشر مذهباً فقهياً.

أمّا (الحوثي) فقد حشد طاقاته لمحاربتها بكل السبل مُقتنعاً بأنّها أداة المملكة العربية السعودية للقضاء على المذهب الزيدي؛ فعمد إلى تأسيس المُنتديات الثقافية التي فرّخت قيادات ما سُمي لاحقاً بـ(تنظيم الشباب المؤمن).

وفِي سبيل ذلك استفاد من فترة تباعد نظامي اليمن والسعودية خلال العقد الأخير من القرن العشرين، والحرب الباردة بينهما بسبب اختلاف موقفيهما من أزمة الخليج؛ فقبل الحوثي في خطوة تكتيكية مُخاتلة أنْ يكون أداة بيد النظام للضغط على السعودية من داخل صعدة مقابل حصوله على دعم. والتغاضي عن تحركاته في تلك المحافظة الحدودية.

إلاّ أنّ انحيازه للمشروع الانفصالي عام 1994م بعد تمدده في مديريات صعدة، وتلقيه وعوداً بالدعم من الهاشميين في قيادة الحزب الاشتراكي (...) أعاده مُجدداً للخلاف مع النظام. وبعد انتهاء الحرب بهزيمة الحزب الاشتراكي انتقل من صعدة مع أسرته ونجله الأصغر (عبدالملك) مروراً بمُحافظة الجوف، ليحط رحاله في إيران.

‏‎وتعود علاقة الحوثي الأب بإيران إلى عام 1979م حين أعلن مُباركته لثورة الإمام الخميني، وشجّع مجموعة من مُريديه على التظاهر تأييداً لها.

‏‎وكان ابنه حسين الحوثي مع زميله عبدالله الرزامي قد نجحا في أول انتخابات لمجلس النواب عام 1993م مرشحين عن حزب (الحق) في دائرتي صعدة، غير أنَّ الأول بعد سقوطه في انتخابات عام 1997م، سافر إلى السودان لدراسة الماجستير، وأتيح له هناك التواصل مع المراكز الشيعية المدعومة من طهران.

وبعد عودته مزّق شهادته، وسارع للاستيلاء على تنظيم (الشباب المؤمن) بسبب نفوذ والده، رُغم أنّه لم يكن من مؤسسيه، ولا من قياداته.

ومع أنّ المذهب الاثني عشري لا أساس له ولا جذور في اليمن، ويختلف مع الزيدية في كثير من المفاهيم، مثل: الولاية، والتقية، ونكاح المتعة، وخروج المهدي، بحسب ما أشار إليه العالم الزيدي المرتضى بن زيد المحطوري في حديث لصحيفة الثقافية قبل مقتله بأعوام، إلاّ أن حسين الحوثي عمل على تطعيم أتباعه بمفاهيم خمينية وأفكار اثني عشرية: تقرباً من إيران، واستجابة لمغريات سفارتها ومراكزها المنتشرة في صنعاء!!

واعتبر (بدر الدين) بدعة ترديد الشعار أو الصرخة التي نقلها ولده (حسين) إلى جوامع صعدة والجامع الكبير بصنعاء من قبيل الاستخدام السياسي.. إلاّ أنّه لم يقل إنّ هذا الشعار بصيغته التي صارت معروفة (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل) كان من اللوازم الرئيسة التي لا يُستغنى عنها في خطابات مُرشد الثورة الايرانية والقيادات التابعة له، كما في اللافتات التي يحملها متظاهرو الحرس الثوري وحزب الله، ولو عًُدنا إلى المظاهرات العنيفة التي دأب عليها إيرانيون في مواسم الحج مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، سنستمع لذات الشعار، وهو يصم الآذان!

ومن المعلوم تاريخياً أنّ الإمامة راوحت طيلة أكثر من ألف عام بين انكماش داخل المناطق الزيدية وتمدُد محدود نحو الجنوب برؤية تكاد تكون ثابتة.. غير أنّها لم تكن تأبه بالتوسع شمالاً خوفاً من بطش دول الخلافة المتعاقبة وحكوماتها المركزية، وكانت إلى ما قبل الثورة السبتمبرية حريصة على أن يكتوي بنيرانها اليمنيون وحدهم، وبالتالي فإنها خلال القرنين الأخيرين لم تكن تشكل خطراً على السعودية ودول الخليج.

وهي في ذلك فقط تختلف عن حركة الحوثيين التي يكمن هدفها الرئيس في السيطرة على أرض الحرمين الشريفين. وإن قبلت -لفترة- بالبقاء في اليمن في ظل هيمنة أفكارها الحالية فلن يكون ذلك سوى كسب للوقت واستراحة لمقاتليها استعداداً لمواجهة مستقبلية.
‏‎ما يعني أنَّ الحوثي -الأب- سعى منذُ وقت مبكرٍ لمحاربة السعودية.. وأعدّ لذلك الخُطط.

‏‎وللدلالة على أنّ الحوثيين ينفذون أجندة إيرانية مثلهم مثل (حزب الله)، نستعرض هنا كتاباً ألفه أحد مراجعهم، يستهدف إذكاء الصراع في أكثر من دولة عربية.

الكتاب عنوانه (عصر الظهور) وألفه المدعو علي الكوراني، الذي يظهر في الفضائيات منذ عشر سنوات منافحاً عن حركة الحوثي، معتبراً إياها من دلالات البشارة بالمهدي الذي ينتظر الشيعة الإمامية خروجه من العراق، ويترقب السنّة خروجه من مكة..!

‏‎ويحدد بطريقة أسطورية ملحمية سيناريو خروج المهدي المنتظر، جاعلاً من ثورة الخميني مؤشراً للاهتمام به، ومن احتلال الحرم المكي بقيادة جهيمان العتيبي، الذي ادعى أنه المهدي المنتظر، أكبر حدث سياسي متعلق بعقيدة المهدي.. كما يتوسل الكاتب بالخرافات والأساطير، مثل نبوءات نوستر آداموس لدعم ما يحاول الوصول إليه حول من يزعم أنه المهدي المنتظر.

‏‎والمناطق التي يحددها الكتاب لتشهد أحداث وفتن ما قبل ظهور من يزعم أنه المهدي، تشمل الحجاز واليمن والعراق وبلاد الشام وفلسطين ومصر والمغرب.

‏‎ولأننا في عصر البحث العلمي ولسنا في زمن الدجل والكهانة، فلا يعقل التصديق بما جاء في هذا الكتاب من خرافات، بل يمكننا الجزم أن مؤلفه وبإيعاز من آيات (قم) وربما من جهات استخباراتية، وضع مخططاً استراتيجياً لما سعوا لتنفيذه خلال العقود الماضية، وعلى طريقة المشعوذين والدجالين يقوم بإعطاء مخططاته تلك صبغة شرعية، وأنها وردت في أحاديث الرسول الكريم.
ومن ذلك زعمه أن حركة المهدي المزعوم تظهر من مكة بعد تمهيدات، منها حرب عالمية تنشب بين الروم والترك، ويفسر الترك بأنهم الروس.

‏‎ثم يتكهن بقيام دولتين مواليتين: الأولى في إيران، وهي التي يعمل لصالحها ويتنبأ لها بالنصر. وظهور شخصيتين تؤثران في انتصارها: الأول زعيم سياسي، والثاني قائد عسكري.

أما الدولة الثانية فتكون في جنوب الجزيرة -أي اليمن- وتتشكل قبل ظهور المهدي المزعوم ببضعة أشهر..

ويتحدث عن مقتل ملك في المنطقة قال إنه من (آل فلان) في تلميح منه لآل سعود وحدد اسمه (عبدالله) ليضفي على حديثه نوعاً من المصداقية، ولكي يغرر على البسطاء والعوام، مع أن الاسم الذي أورده ينطبق على الملك السعودي الراحل قبل ثلاث سنوات ونصف.. وملك الأردن الحالي.. ويمكن أن يتكرر في أكثر من مكان وزمان!! إلا أنه اختار اسماً محدداً ومعروفاً لأنّه ألف الكتاب عام 1987 وكان يعلم أنّ (عبدالله) سيتولى عرش السعودية فيتآمرون عليه، لكي يظهر له ولأصحابه مهديهم المزعوم.. ولكنه مات ميتة طبيعية، عكس ما تنبأت به خرافاتهم..!

‏‎كما يزعم، أيضاً، ظهور حركة ثورة لرجل مصري قبل خروج اليماني الذي أسماه حسن أو حسين، والسفياني الذي أسماه عثمان، وتحركاً لقائد الجيش المصري، وللأقباط في أطراف مصر... إلى آخر ما في هذا الكتاب من هرطقات أنتجتها طموحات وخيالات الملالي والآيات بغرض تهيئة أذهان العامة لمخططاتهم في السيطرة على المنطقة، وكل ذلك ينسبونه لأحاديث يروونها عن الرسول، بعد تاويلها، وبعضها لا يعلم عنها المسلمون شيئاً.

لنعترف بأنّ أحقاد القيادات السياسية والحزبية أوقعتهم في شرك الخديعة. وأنّ يوم 21 سبتمبر قبل أربع سنوات كان يوم الخدعة الكبرى... لم يكن ثورة ضد الفساد والقوى الرجعية، كما زعموا، ولا من أجل إلغاء الجرعة وتخفيف الأسعار كما كذبوا.. لقد كان من أجل إعادة دولة الكهنوت.. وإمامة السيد.. صاحب الولاية.. والعصمة.. وجرثومة الرجعية والتخلف.

يؤسسون لدولة لا هدف لها غير تقديم اليمنيين ضحايا وقرابين للوهم.. وتحتكم للسيد.. الذي يريد استعباد اليمنيين إلى يوم القيامة.

ولا مناص أمام الجمهوريين من رد الاعتبار لثورتهم... ثورة الأحرار. واستعادة دولتهم... دولة الحرية والإخاء والمساواة.
والاحتكام للديمقراطية، وصندوق الاقتراع.