سمير اليوسفي يكتب:
لن يكون الحوثي أقوى من صدام وعبدالناصر
كما فعلوا مع صدام في الكويت؛ فتحوا أمام مغرور صعدة «فخ دماج» المنصوب ضد السعودية منذ فشل محاولة «جهيمان» احتلال الحرم، قفز الحوثي فوقه معتقداً أنّ السماء ستقود معركتها الأخيرة لتجعله في الأرض خليفة.. ومن صنعاء توزع أتباعه في مسارب أرض قحطان، كسيلٍ مُنهمر، والأغلب أنّه سيتلاشى بين حصا الوديان بعد انتهاء المطر.
لم يتعلّم الحوثي درساً كان سيفيده من عبدالناصر الذي أراد استخدام اليمن لإضعاف السعودية.. عقب 5 سنوات استقبل من تبقّى من جُنده العائدين من جبال عمران، وحلوقهم تغص بالمرارة أسفاً وحزناً على الآلاف من زملائهم الذين عادوا في بُطُون نعوش مكسوة بعَلَم الثورة المضرّج بالدم؛ حتى إن الاستقبال المليوني لهم في مطار القاهرة مع زغاريد أهليهم وأهازيجهم «سلمى يا سلامة، رحتم وجيتم بالسلامة» لم ينسهم نكبتهم في اليمن الذي تصالح بكل سهولة مع قاتليهم.. ولا نكستهم في بلدهم التي احتل اليهود سيناءها بتواطؤ من أبناء العم واللحم والدم.
كان الزعيم الجريح «ناصر» قد فطن قبلها بعامين إلى تلاعب اليمنيين به.. فهرول إلى حكيم السعودية ومليكها «الفيصل» للتوقيع على اتفاقية الخروج من اليمن ووقف أمامه في قصره الملكي كتلميذ خائب أمام معلّمه.. هزمه «بوب دينار» ونكّل بأبنائه شاب يافع حشد له الحشود من قبيلته حاشد، ثم صار رأساً للثورة التي أشعلها ابن مُحافظة إب الفقير "علي عبدالمغني" ورحل مغدوراً في صرواح.. تاركاً أمّه العجوز نهباً للتشفّي والحاجة والعوز..!!
روسيا والصين وزعماء عدم الانحياز الذين انحازوا إلى عبد الناصر؛ خذلوه ثم سلّموه مضغة سائغةً إلى إسرائيل..!!
هذا هو الدرس الذي وعته أرض الكنانة، وحفظه الأشقاء في مصر، ومع الأسف غفل عنه سُفهاء شمال اليمن، ومعهم إيران التي ارتموا بأحضانها..
كذب الراحل محمد حسنين هيكل على اليمنيين بسرده وصيّة مزعومة للملك عبدالعزيز لأبنائه تحكي أن خيرهم في تقديمهم الشر لليمن، قالها هيكل في سياق تحريضه على السعودية، وكأنه كتب وصيّة عبدالعزيز بخطّه وقلمه. لكنه كان صادقاً بوصفه لانتفاشة 11 فبراير 2011 في اليمن، وأنّها ليست ثورة، وإنما قبائل يبحثون عن دولة..!!
اليمنيون عاطفيون، وكما انجروا وراء خطابات الزعيم الراحل عبدالناصر وإشاعات صلاح نصر؛ فقد انساقوا بعد 28 عاماً وراء أوهام صدام حسين، وعنترياته بالقضاء على أميركا وإسرائيل وإيران وملوك وأمراء الخليج، ووقع اليمنيون في مصيدة الوهم التي جرّهم الحماس إليها وهم في سكرة الانتشاء بوحدتهم التي كانت حلماً صعب المنال، وبسبب ذلك؛ كشفت اليمن عن ساقيها للنزعات الانفصالية والطائفية، وصارت بجهد الأهل ودعم أولي القربى مرتعاً لـ«القاعدة»..!!
كلهم حولوا اليمن إلى حقل تجارب... واليمنيين إلى فئران اختبار: القذافي، صدام، ناصر، صنائع لينين وستالين، وحتى ماو تسي تونغ الذي كانت تحمل كتبه الناقلات وتلقي بها في شوارع تعز مع كثير من الأطعمة المجفّفة والمعلَّبة.
الأمر ليس حكراً على هؤلاء. السلفيون، الإخوان المسلمون، أسامة بن لادن نال نصيبه من اليمن أرض الوعد والمدد، ومهّد لتنظيرات الزنداني عن الجيش الذي سيخرج من عدن أبين موعوداً بالنصر والظفر، وسيقود الناس إلى أرض المحشر.
صعدة التي رفضت التجمهر مع عبدالناصر بدعم سخي من الأشقاء في المملكة وحلفائها الذين كان أحدهم شاهنشاه إيران؛ هي صعدة ذاتها التي تصرخ اليوم بشعار الخميني، المطوّر من هتاف مرشد الإخوان حسن البنّا، وتستقي خططها الاستراتيجية من كتاب «الجفر»، ولا مُشاحّة في ذلك، فعبد الملك الحوثي يسير على خطى حسن نصر الله الذي كان «أيقونة» الإخوان قبل عقدين، والخميني الذي صار رمزاً للحركات الإسلامية عقب نجاح ثورته..!! اليمن كانت أيضاً مستوعباً للفرس والأحباش قبل الإسلام؛ والأتراك فيما بعد.
وكانت دفئاً وأماناً للفارّين برؤوسهم من بطش الأمويين بعد ذاك، مثل الهادي يحيى بن الحسين الرسّي المنتقل من جبل الرس في المدينة المنورة إلى صعدة بحثاً عن الحماية والنصرة عند أبناء همدان. وأبناء همدان كانوا قبل انعزالهم وانغلاقهم في العصرين الأموي والإمامي ذوي علم وحضارة تعود جذورها إلى أجدادهم مؤسّسي الحضارات اليمنية القديمة.
ومع الأسف هناك عشرات الدراسات والكتب التي ألّفها باحثون وأكاديميون من مصر ولبنان والعراق، تثبت بالأدلة والبراهين المعتمدة على المسوحات الأثرية وجغرافيا التوراة والقرآن أن اليمن مهد الرسالة وأصل الحضارات.
وبالعودة إلى سفر الإكليل، للسان اليمن العلّامة أبي محمد الحسن الهمداني؛ سنجده الأساس الذي اعتمدت عليه جُل كتب التفسير، وأغلب كتب التاريخ المروية عن يهود اليمن، الذين احتفظوا بكتبهم ونقائهم إلى قبل سنوات قليلة، حتى أخرجهم الحوثيون من أرضهم في صعدة.
السلفية وجدت في اليمن مرعى خصباً من الشيخ مقبل إلى الحجوري والإخواني الزنداني، كما وجدت الزيدية في صعدة ملتجأً لها من الهادي حتى حفيده عبدالملك الحوثي، وليس في ذلك إشكال أو خطيئة، فمن حق الناس اعتقاد ما يريدون، والإيمان بما يشاؤون، شريطة الاكتفاء الذاتي بذلك، وترك المخالفين لهم في الرأي أو الفكر أو المذهب مع خياراتهم دونما قسر أو إكراه.
ولعل نشأة الحركة الحوثية تؤكد ما نذهب إليه، فقد أقصت الثورة الناصرية علماء الزيدية ومنعتهم من تدريس مذهبهم، وزاد تضييق الخناق بعد المصالحة التي رعتها السعودية في سبعينيات القرن الماضي، فانقلب السحر على الساحر، وتحوّل المظلومون إلى ظالمين.
الآن، لا أحد ينكر الدعم الإيراني للحوثيين.. وتوظيفها لهم في الصراعات التي تخوضها مثل غيرهم من اليمنيين عبر العقود والقرون الماضية، وأحسب أن نصف قرن من الإقصاء، سبب ما نعانيه اليوم من حرب تستلهم حقبة الستينيات.
لعلّ عبدالملك الحوثي يدرك قبل تبدُّد فرص الفهم حجم الخديعة التي وقع فيها، وأنّ إيران لا ترى في اليمن أكثر من ورقة تساوم بها لتحسين موقفها التفاوضي مع الغرب.. ويرحم اليمنيين من الأوهام والخزعبلات التي حشا بها نافوخه، فيعمل على توعية مريديه بأهمية الحياة والحرية والتنوّع والاختلاف، فالمهدي لن يكون مسروراً بخروجه إذا ما كانت بشارة ذلك سفك الدماء والتقرُّب له بجثّة اليمن.
لعلّه يعلم أن ألمانيا دعمت إيران في مشروعها النووي، كما دعمت تركيا في المجال الصناعي لتجعل منها معبراً لمقعد دائم وضاغط في مجلس الأمن، كما تفعل إيران مَعَهُ ضغطاً على خصومها، وستتركه لمصيره المحتوم كما فعلت حليفتها روسيا مع عبدالناصر.
إيران وحلفاؤها يدعون إلى وقف فوري للحرب، وستستمر هذه الدعوة حتى تفور المنطقة بالحقد والكراهية، وتُحسم الحرب ضد إيران ولن يجدي آنئذ أن يدرك الحوثي أنه كان عند إيران مجرّد ثمرة لمَّا يحن قطفها بعد، أو حتى بشارة لم تتحقّق بظهور المهدي..!!
لقد ضرَّ اليمنيين تأجيرُ مواقفهم، أو بيعها، وبالقدر نفسه خسرت الدول التي اشترت المواقف واستأجرت الذّمم، وفي هذا فإن المملكة العربية السعودية أثبتت أنها تجيد البيع والشراء، وتتفوّق به؛ ولن تجاريها إيران أو غيرها في ذلك.
يقاتل الدولار نيابةً عنها إذا ما شاءت تجنّب المواجهة، كما أن لديها من الخبرات والإمكانيات والأسلحة الحديثة وسياسة الاستنزاف والنفس الطويل؛ ما يجعلها في مقام النصر والغلبة، فلا عجب إذن أن تتحكّم بموازين القوى وتتغلب على خصومها.
المشكلة اليمنية تحتاج إلى حلٍّ جذري ينطلق من حرية الفكر والمعتقد المحتكّم إلى الدستور والقانون.