خير الله خير الله يكتب:
الحقد الايراني على رفيق الحريري
تعطي تسمية شارع في الضاحية الجنوبية لبيروت باسم مصطفى بدرالدين فكرة عن مدى الحقد الايراني على رفيق الحريري وعلى لبنان. عوقب رفيق الحريري على اعادته الحياة الى لبنان العربي، بالمعنى الحضاري للكلمة، والى بيروت بالذات لا اكثر ولا اقلّ.
في النهاية ليس مصطفى بدرالدين المتهم الرئيسي في ترتيب عملية تفجير موكب رفيق الحريري ورفاقه فحسب، بل هو متهم أيضا بتفجيرات سبقت محاولة اغتيال امير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد في العام 1985. بقي بدرالدين، الذي كان يقيم في الكويت تحت اسم الياس صعب، في السجن الكويتي حتّى صيف العام 1990. اخرجه منه العسكريون ورجال الامن العراقيون الذين شاركوا في مغامرة احتلال الكويت وقتذاك ابان حكم صدّام حسين. أراد صدّام من اطلاق بدرالدين توجيه رسالة حسن نيّة الى ايران التي خاض معها حربا استمرّت ثماني سنوات. كانت الكويت، مع دول مجلس التعاون الخليجي، من بين الذين دعموه ماليا وسياسيا في تلك الحرب... فكافأها بالاقدام على مغامرته المجنونة غير مدرك انّ ايران ستكون في المدى الطويل المستفيد الاوّل والأخير من هذه المغامرة. يدلّ على ذلك بوضوح ليس بعده وضوح ما نراه بامّ العين في العراق اليوم!
ليست المسألة مسألة شارع باسم شخص وفّر الادعاء العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ادقّ التفاصيل المتعلّقة بدوره في عملية اغتيال رفيق الحريري. المسألة ابعد من ذلك بكثير وهي مرتبطة اوّلا وأخيرا بالسيطرة على لبنان وتحويله مستعمرة إيرانية. هل سينجح "حزب الله" في ذلك؟ هذا هو السؤال الكبير والمحوري الذي يفرض نفسه في وقت قرّر قسم لا بأس به من المسيحيين في البلد الوقوف موقف المتفرّج حيال ما يدور على ارض بلدهم. لم يعد هذا الموقف العجيب لبعض المسيحيين مستغربا في ضوء الخطوة الأساسية التي اقدم عليها "حزب الله" عندما استطاع ان يتحول الى الطرف الذي يسمّي رئيس جمهورية لبنان وان يفرض هذا الاسم على الآخرين بعيدا عن أي ممارسة ديموقراطية من ايّ نوع. ان قبول قسم من المسيحيين بان يفرض "حزب الله" من هو رئيس الجمهورية على كلّ اللبنانيين جريمة لا تقل في خطورتها عن قبول اتفاق القاهرة في العام 1969 من دون ادراك نواب الامّة، وبينهم زعماء مسيحيون كبار، لابعاده ونتائجه ومن دون الاطلاع على فحواه.
باستثناء تسجيل موقف واضح يعترض على خطوة من نوع تسمية شارع باسم شخص موضع اتهامات بجريمتي قتل وتفجير في لبنان والكويت، ليس في استطاعة الدولة اللبنانية القيام بالكثير. هناك ما يتجاوز تسمية الشارع باسم شخص لا تزال ظروف مقتله في مطار دمشق في العام 2016 لغزا يلفّه الغموض، تماما مثل لغز اغتيال عماد مغنيّة (بدرالدين متزوج من شقيقة مغنيّة) في احدى ضواحي دمشق (كفرسوسة) في شباط – فبراير من العام 2008.
في انتظار اليوم الذي تتكشف فيه حقيقة من قتل مصطفى بدرالدين في مطار دمشق وظروف التخلص منه ومن اغتال عماد مغنيّة في كفرسوسة، يفترض في اللبنانيين تحديد الخطر الحقيقي الذي يتهدد بلدهم. يكمن هذا الخطر في اسباب الوصول الى مرحلة لم تعد فيها الدولة اللبنانية قادرة سوى على الوقوف مكتوفة، والاكتفاء بتسجيل موقف، امام تسمية شارع باسم شخص يأتي اسمه على رأس لائحة المتهمين باغتيال رفيق الحريري.
لعلّ اخطر ما في الامر ذلك السعي الدءوب الى التخلّص نهائيا ممّا كان يرمز اليه رفيق الحريري، الذي علّم على نفقته آلاف اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية، ومن كلّ أبناء مدرسته وكلّ ما لا يزال يرمز اليه الرجل.
قبل كلّ شيء، يرمز رفيق الحريري الى ثقافة الحياة في لبنان. يرمز أيضا الى ان بيروت تستطيع ان تكون لؤلؤة المدن على شاطئ البحر المتوسط. يرمز رفيق الحريري الى صمود بيروت وازدهارها وقدرتها على مقاومة ثقافة الموت. بيروت المدينة التي فيها جامعات ومدارس وحركة فنّية وثقافية واعلام متنوع ومتطور. بيروت التي تتمتع بالقدرة على ان تكون لجميع اللبنانيين والعرب والأجانب بغض النظر عن دينهم وثقافتهم وخلفياتهم الاجتماعية. هذا بعض من حلم رفيق الحريري الذي تحقّق جزئيا والذي كان مطلوبا القضاء عليه كي لا يعود أي لبناني يفكّر بغير كيفية إيجاد طريقة للهجرة وارسال أولاده الى خارج البلد في بلد لا يستطيع إيجاد حلّ لمشكلة الكهرباء او النفايات... او زحمة السير والمطار.
منذ اغتيال رفيق الحريري، لم يوجد من يدق مسمارا في مشروع بناء يساهم في تحسين البنية التحتية للبلد. على العكس من ذلك، هناك اهتراء يومي لما تركه رفيق الحريري للبنانيين من أسس لاقامة مثل هذه البنية. فوق ذلك كلّه، لم تعد بيروت وجهة عربية. صار العرب يخافون منها. كلّ كلام عن استخراج النفط والغاز من النوع المضحك المبكي في عالم يحتاج الى خبراء في هذا الشأن وليس الى سياسيين صنعوا في انابيب. يمكن ان يكون هناك الطفل الأنبوب ولكن لا يمكن صناعة سياسي في أنبوب. خير دليل على ذلك ما آلت اليه سوريا منذ خلف بشّار الأسد والده في العام 2000.
ليس اسم شارع باسم مصطفى بدرالدين وسكوت قسم من الطبقة السياسية على ذلك مجرّد استقواء على الدولة اللبنانية ومؤسساتها بمقدار ما انّه دليل على انّ هناك من صار يمتلك القرار اللبناني. هذا كلّ ما في الامر. من يمتلك القرار بات يجاهر بانّه لا يستحي بالوقوف خلف اغتيال رفيق الحريري ولا يستحي من قدرته على اثارة كلّ الغرائز المذهبية التي يمكن اثارتها. هذا لا يمنع من طرح سؤال في غاية البساطة هل التفاخر باشخاص مثل مصطفى بدرالدين دليل ضعف ام دليل قوّة؟
الأكيد ان القوي حقيقة لا يلجأ الى الترهيب في التعاطي مع شركائه في الوطن، بما في ذلك الشيعة الذين يعتبرون لبنان وطنا نهائيا يستحق كل ولائهم، ولا الى الغاء مؤسسات الدولة اللبنانية عن طريق تدميرها وقضمها. هذه لعبة لا يمكن ان يخرج منها رابح خصوصا في وقت بات على ايران تختار بين ان تكون دولة طبيعية او ان يصبح النظام فيها منبوذا.
كيف يمكن، في نهاية المطاف، الرهان على نظام، مرفوض من الايرانيين انفسهم، لا مستقبل من أي نوع له. خطورة هذا الرهان في انّ لبنان يمكن ان يدفع ثمنا كبيرا بسبب وجود من قرّر اعتماده. وهذا لا ينطبق على "حزب الله" وحده للأسف الشديد... بل على كلّ من يؤمن بحلف الاقلّيات أيضا وبان للنظام السوري مستقبلا ما غير مزبلة التاريخ.