سمير عطا الله يكتب:
أسماء ومسميات
فاجأتني زميلة عزيزة بسؤالٍ لم أسمع مثله من قبل: «هل تعرف ماذا كان اسم جد جدك؟»، فكّرت طويلاً وتبيّن لي أنني أعرف فقط اسمَي والدَي جدي لأبي وأمي. ولما سألتها عن الهدف من السؤال، قالت: «لكي أثبت لكَ أن الاسم ليس شيئاً في الحياة والمهم هو الأثر. فأنت تعرف اسم شكسبير وتعرف تهجئاته الصحيحة أو الأخيرة المتفق عليها؛ لأن الاسم في أيامه وبعدها بسنوات كُتِبَ في عشرين تهجئة على الأقل. لكن الباحثين والمؤرخين والمسرحيين والكتّاب اشتغلوا طوال عقودٍ على قراءة خطه المتعثّر إلى أن استقروا على كتابة اسمه بالطريقة الحالية». تقول الزميلة العزيزة، إن الاسم ليس سوى بطاقة تعطى لنا كي نيسّر أمورنا في الحياة. منا مَن تتحول بطاقته هذه إلى اسم في تاريخ الأدب، ومنَا مَن يصبح اسمه مرادفاً للقتل والجنون، ومنا من يصبح نموذجاً للبِر والإحسان وعمل الخير، ومئات الملايين تذهب أسماؤهم بلا أي أثر، كمثل جد جدي لأمي أو ندّهُ في عائلة الأب.
الزمن ممحاة. أو سيولٌ جارفة. ولذلك؛ يحفر العلماء في الأرض بحثاً عن بقايا حجارة أو عن لوحة محفورة منذ آلاف السنين، ليجمعوا من خلالها الشهادات على تاريخ الإنسانية. فإذا عثر أحدهم على صنمٍ حافظ عليه، ليس من أجل عبادته، بل من أجل قراءة زمنه والتعرّف على المراحل التي مرت بها البشرية قبل أن نصل إلى ما نحن عليه.
ولقد درج الكثيرون حول العالم على وضع ما يسمى «شجرة العائلة». ويُفترض في الغالب أنها صحيحة، مع أن معظمها يستند إلى الرواة لا إلى الوثائق. وتبيّنُ شجرة عائلتنا التي وضعها أحد المهتمين قبل سنوات، أن جذورها تعود إلى تدمر ونجد. وربما هذا ما يفسر الشعور الغامض الذي أحسست به يوم ذهبت إلى تدمر، ليس بحثاً عن جدتي وإنما عن آثار زنوبيا، تلك المرأة الخارقة التي كادت تزيح كليوباترا من واجهة التاريخ النسائي، وبالذات من تاريخ روما. غير أن الأساطير جميلة في أي حال. وكذلك اللون الوردي الذي بُنِيَت به قناطر زنوبيا. هنا تبرز أهمية الاسم وضرورته. فماذا لو كانت تلك الأعمدة الخلابة بغير اسم؟ أو ماذا لو كانت تحمل اسماً جائراً مثل تيمورلنك؟
وعندما قرر الإسكندر المقدوني أن يبني مدينة تفوق كل ما عرفه في اليونان أو في غزواته، أعطاها اسمه يُخَلَّدُ بها. ومن بعده تحوّلت هذه العادة إلى تقليدٍ في معظم العصور ومعظم البلدان، وخصوصاً في أزمان الاستعمار عندما أعطى المستعمرون والمستكشفون أسماءهم لكل ما وقعت أياديهم عليه. ثم جاء الوطنيون فغيروها إلى أسماء تعكس تاريخهم وتراثهم وربما بالغوا في ذلك أحياناً كمثل الرئيس الكونغولي موبوتو سيسي سيكو كوكو نغبندو وازا بنغا.