ماجد السامرائي يكتب:
ترامب يعاقب إيران والعراق يدفع الثمن
قد يكون يوم الرابع من نوفمبر المقبل حدثا مميّزا في سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاحتواء إيران بطريقة تبدو أنها ذات حافات حادة قد تقود، إلى تغيير النظام السياسي في طهران بعد أن عززت هذه الإدارة ربط الاحتواء بالعقوبات الشديدة، لكن في جميع المقاييس والاعتبارات الجيوسياسية لا يمكن فصل تطبيقات سياسة احتواء إيران عبر العقوبات المتصاعدة عن العراق حاليا بكل ما يحمله نظامه السياسي من تعقيدات.
تقترب النقاط الاثنتي عشرة التي أعلنها وزير خارجيته مايك بومبيو بعد توليه مهامه مباشرة كثيرا من سياسة تغيير النظام، وإن كانت فيها مرونة عالية في الانتقال من الاحتواء إلى التغيير.
لا تختلف هذه السياسة في الجوهر والأهداف عن العقوبات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي ضد العراق في أغسطس 1990 عقب احتلال الكويت، والتي استمرت ثلاثة عشر عاما دون أن تحقق هدف إسقاط النظام إلا بالاحتلال العسكري، وهو أمر لا يبدو أن الولايات المتحدة ستكرره مع إيران أو غيرها.
كلّف العمل العسكري المباشر في تغيير الأنظمة في العراق وأفغانستان الولايات المتحدة خسارة استراتيجية كبيرة، وهذا ما يدعو إلى الاعتقاد بأن العقوبات تندرج في إطار الخطط الذكية للحد من خطورة النظام الإيراني على المنطقة والمصالح الأميركية عن طريق التضييق على خياراته الاستراتيجية في التعاطي مع الميدان النووي والصاروخي ووكلائه في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
لكن السياسة الأميركية لاحتواء إيران تواجه عددا من التحديات، حيث يبدو احتيال إيران على العقوبات أمرا سهلا، من خلال اعتمادها على رئتها الوحيدة (العراق) في ظل نظام سياسي موال لها. كما ستساعد الدول الأوروبية إيران من خلال التعامل التجاري باليورو. وهناك ظروف دولية مختلفة تحاول إيران الاستفادة منها خاصة سياسات ترامب التجارية ضد روسيا والصين اللتين تحتفظان بعلاقات مميزة مع طهران.
الموضوع الأخطر الذي سيصاحب عمليات تصعيد العقوبات الأميركية في الرابع من نوفمبر المقبل هو أن الواقع اللوجيستي العسكري المتزايد لوكلاء إيران في العراق من الميليشيات قد يعقّد الأمور.
لقد نمت قوى وتيارات سياسية طائفية ميليشياوية مسلحة محلية شكلت خطا موازيا للسياسة الحكومية العراقية تلبي رغبات نظام طهران دون سماع حكومة بغداد وتضع تلك المجموعات نفسها في خدمة الحرس الثوري الإيراني المستهدف الأول من قبل الإدارة الأميركية. فإلى أي حد ستتمكن فيه الولايات المتحدة من عزل العراق عن الأذى الذي سيلحق به من مسلسل العقوبات الاقتصادية ضد إيران؟ وإلى أي مدى ستتمكن إدارة ترامب من النجاح في وضع طهران داخل قفص العزلة الاقتصادية، بعيدا عن مساعدة العراق.
جاءت رسالة وزير الخارجية الأميركي إلى الرئيس العراقي الجديد برهم صالح لتؤكد الرغبة الأميركية بخروج العراق من دائرة النفوذ الإيراني. وهناك الكثير من التوقعات بأن دخول واشنطن في تنفيذ المرحلة الأخطر من العقوبات المتعلقة بالنفط والطاقة سيؤدي إلى تداعيات تشمل كل منطقة الخليج في ظل التقارير الإيرانية المسرّبة عن احتمالات غلق الممرات المائية ومضيق هرمز، وعن قوتها الصاروخية المضادة لكل من الولايات المتحدة ودول الخليج العربي.
لكن الاستمرار في فرض العقوبات والحصار الاقتصادي والسياسي على النظام الإيراني لا يؤدي إلى إسقاطه إلا إذا حصلت متغيرات مثيرة أو أحداث جانبية أو دخول قوى أخرى على خط الصراع كإسرائيل.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرلمان، صرّح في وقت سابق، بأن بلاده قد تهاجم مواقع عسكرية يشتبه بأنها إيرانية، مؤكدا عدم اقتصار مواجهتهم لإيران في سوريا وإنما في العراق أيضا.
مما يضاعف احتمالات خلط الخطرين الأميركي والإسرائيلي بنظر إيران وأنصارها في العراق. كما يزيد من هذه التوترات إعلان وزارة الخارجية الأميركية عن غلق قنصليتها في البصرة وتوجيه تحذير بعدم السفر إلى العراق، وهذا يشكل بمثابة تحذير لكل من طهران وبغداد بأن المواطنين الأميركيين خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
إن مجيء رئيس وزراء جديد في العراق يعرف باستقلاليته قد يقود حسب مهارته السياسية إلى تجنيب العراق المخاطر المقبلة، وهي حقيقية عن طريق عدم الخضوع للرغبات الإيرانية. إيران وإسرائيل كلاهما تستخدمان نظرية عسكرية واحدة “النار عن بعد” في المنطقة. في ظل تداعيات العقوبات الاقتصادية على طهران، ولا يعرف إلى أي مستوى ستصل تلك التداعيات على طهران وكذلك جارها العراق.