د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
هل سنبكي على وطن أضعناه من جديد ؟؟!!
بعد هزيمة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م (بريطانيا – فرنسا-إسرائيل ) قررت بريطانيا سحب قواتها شرق السويس .. تاركة ملء ذلك الفراغ للقطبين الكبيرين أمريكا والاتحاد السوفييتي .
في عام 1959م كانت الحسنة الوحيدة لبريطانيا أنها جمعت أكثر من "22" سلطنة وإمارة تحت مسمى ( اتحاد الجنوب العربي) تمهيدا للاستقلال واقترحت على حكامها خيارين هما :
- الأول : تنصيب الأمير عبد الإله ولي عرش العراق ملكا على الجنوب
(حتى يكون ندا هاشميا للإمام الهاشمي في صنعاء الطامع في الجنوب )
- الثاني : السلطان علي عبد الكريم سلطان لحج ،ليكون سلطانا على الجنوب
(وهو الأكثر ثقافة وعلما آنذاك )
وتعالت أصوات الرفض والمعارضة من اغلب سلطنات الجنوب وتم رفض المقترح البريطاني جملة وتفصيلا !!
ثم اقترحت عليهم بريطانيا تنصيب الشريف حسين بن أحمد الهبيلي رئيسا لدولة الجنوب العربي ولكن ذلك الاقتراح فشل كسابقيه !!
في حين كانت الساحة الوطنية تعج بالأحزاب السياسية المختلفة الأهداف والنوايا وكل منها يطمح إلى الحكم ولم تتفق على برنامج وطني موحد بل سعت إلى تمزيق الممزق تحت شعارات وأهداف ورؤى كلها مستوحاة من خارج الوطن الجنوبي واحتفظ كل حزب بأجندته الخاصة وكانت في معظمها تعمل ضمن ولاءات خارجية حتى أصبح حالنا ينطبق عليه المثل الشعبي : (شاة البلد ما تعشق إلا التيس الغريب ) !!
وقد كان الشعب في الجنوب العربي هدفا سهلا لاجترار الشعارات القومية والعروبية التي كانت الدعاية الناصرية تبثها من : (صوت العرب ) وتدغدغ بها أحلام الشعوب العربية ومشاعرها !!
وبدلا من قيام تلك الأحزاب بترميم الانقسامات والشروخ فيما بينها عملت عكس ذلك , وراجت تلك الأيام شعارات : الرجعية – العمالة – الخيانة .
وأخذت تتراشق بها وارتضت أن تكون مطية للآخرين خارج الوطن !!
وفي خضم تلك الفوضى قررت بريطانيا أن تختار من سيحكم الجنوب ويتسلم الاستقلال فكانت ( الجبهة القومية ) هي الأكثر قربا منها لتعطشها للسلطة وكانت الجبهة مهيأة لتنفيذ الأجندة البريطانية للاستئثار بالسلطة منفردة فقامت بسلسلة من الاغتيالات لبعض الرموز الوطنية في عدن من القيادات العمالية والحزبية والكوادر وتوجت ذلك بالحرب الأهلية ضد جبهة التحرير في عدن وساندت بريطانيا الجبهة القومية بتحويل ولاءات الجيش والأمن وحسم الأمور لصالحها في الوقت نفسه تخلت عن السلاطين وأرسلتهم إلى المنفى خارج البلاد !!
ولسنا بحاجة لنذكركم بالهزات السياسية والانقلابات الدموية والحروب الطبقية والاجتماعية والاقتصادية التي قامت بها الجبهة القومية من 30 نوفمبر عام 1967 م وحتى مذبحة يناير عام 1986م ضد الجنوب وضد بعضهم البعض حتى سقطت البلاد بأسرها في حمئة الدم والصراع والانهيار وتخلى عنها الاتحاد السوفيتي بعد انهياره وتفككه ثم ذهبت ( الطغمة) مهرولة نحو ( الوحدة ) عام 1990 م مع النظام العشائري المتخلف في صنعاء غير عابئة بالقسم المنفي منها ( الزمرة ) التي تم تدجينها في حظيرة صالح ..لليوم الموعود عندما شن الحرب على الجنوب عام 1994 م واكتسح الوطن الجنوبي مساعدتها برا وبحرا انتقاما من رفاق الأمس ...وطمع صالح في ثرواته وخيراته وقام بإقصاء أكثر من نصف مليون من كوادره في مختلف القطاعات العسكرية والأمنية والمدنية كما قام بشراء ولاءات من باعوا أنفسهم من أبنائه.. ومن رفض منهم تم اغتياله وتصفيته !!
و أصبح الجنوبيون غرباء في بلادهم معدمين تنهب قوى الظلام من شيوخ القبائل والكهنوت والإرهابيين خيرات بلادهم أمام أعينهم وأصبح وطنهم مستباحا باسم الوحدة المزعومة !!
وتبين لهم أن (الوحدة ) لم تكن إلا شعارا كاذبا أضاعوا تحت عناوينه استقلال وحرية بلادهم !!
إن الفرق بيننا وبين الشماليين في اليمن أنهم قد تعودوا على نظام مركزي في الحكم فعسكري الإمام كان يسحب أكبر شيخ من إذنه إلى سجونه !!
في حين كانت قبائل الجنوب تتناحر فيما بينها وتسفك دماء أبناءها حتى أصبح بأسهم بينهم وكانت نقطة ضعفنا هي التمزق والشتات ( 24) سلطنة وإمارة وأكثر من ( 60 ) قبيلة يسودها الجهل والتعصب والحروب القبلية والثارات وكل منها يدعي الولاية على الوطن الجنوبي وهذا سر ضعفنا وقوة خصومنا حتى اليوم !!
والشماليون مهما اختلفوا فيما بينهم فهم يتفقون علينا في نهاية الأمر وشأننا نحن وإياهم كأهل طروادة عندما كانوا فرحين بوهم النصر وأدخلوا الحصان الخشبي الذي يعج بالجنود الغزاة ثم استولوا على مدينتهم بعد منتصف الليل !!
لقد سقط ساسة الجنوب في وحل الو لاءات والانقسامات وباع العض أنفسهم في سوق النخاسة بأ بخس الأثمان لمختلف الأطراف.. ولازالوا يمارسون هذه اللعبة حتى اليوم !!
وهم يلومون التحالف العربي الذي جاء لإنقاذ اليمن كله من الغزو الفارسي ولا يلومون أنفسهم !!
بل إن بعض الجنوبيين لازالت أيديهم ملوثة بدماء الأبرياء وجلبوا لوطنهم الخراب والدمار ويريدون إعادة الماضي من جديد!!
وأخيرا أقول : لأهل الجنوب ومن بقي فيهم الخير من قيادات وأحزاب ورجال سياسة وأهل الفكر والعلم والشرفاء من القبائل.. كفاكم تضييعا للجنوب وكفاكم ضياعا وانقساما ..وأشد ما أخشاه أن نسمع من يوقظنا من ثمالة الوهم والشعارات في قادم الأيام ويقول لنا كما قالت والدة أبو عبد الله الصغير له : (ابك كالنساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال ) !!
ولا أحد منا يريد أن يرى يوما آخر نبكي فيه وطنا أضعناه بأيدينا وقد لا نسترده هذه المرة!!
د . علوي عمر بن فريد