طاهر علوان يكتب:
رأي عام تلاحقه استطلاعات الصحافة
ما الذي يفكر به الجمهور؟
سؤال لا شك انه يشغل بال أغلب السياسيين كما يشغل بال صانعي السياسات الإعلامية.
الموقف من القضايا الداخلية والخارجية وأنماط واهتمامات المستهلكين كلها تشكل عناوين في المشهد.
لكن ماذا لو تدخلت الصحافة واخترقت حصون ذلك الرأي العام المغلق؟
أترى وظيفتها أن تسبر أغوار تلك المنطقة المجهولة؟
واقعيا نحن أمام ظاهرة استطلاعات الرأي العام واستفتاء رأي الجمهور في إطار النظام التفاعلي الذي يقرب الصحافة من نبض الشارع من جهة ويقرب الجمهور من إيصال صوته وبيان موقفه.
الأمثلة على ذلك كثيرة وأكثر من أن تحصى يقع في مقدمتها استطلاع شعبية الزعماء صعودا وهبوطا، وهو ما تقوم به مؤسسات مختصة بالاستطلاعات كما تضطلع به الصحافة أيضا.
ثلاث زعماء لأقوى دول العالم تم استطلاع الرأي بصدد انخفاض شعبيتهم مؤخرا وهم رؤساء أميركا وروسيا وفرنسا والثلاثة خسروا نقاطا في تلك الاستطلاعات.
بالأمس وجهت صحيفة لندن ايفننك ستاندارد رسالة غير مباشرة إلى رئيسة الوزراء البريطانية بصدد قضية بريكست، رسالة في شكل استطلاع للرأي أثبت أن اثنين من كل ثلاثة بريطانيين يؤيدون البقاء في الاتحاد الأوروبي، بما يكشف تغييرا حاسما في رأي عام كان قسم منه مدافعا دفاعا مستميتا للخروج.
لكن رئيسة الحكومة وكما يقول المثل الشعبي أعطت (الإذن الطرشة) لهكذا استطلاع ولاستطلاعات كثيرة مماثلة لأنها مصممة بلا رجعة على الطلاق من أوروبا.
هذا المشهد للزعيمة غير المكترثة بنتائج استطلاعات الرأي العام دفع رسام كاريكاتير الإندبندنت البريطانية إلى رسم السيدة ماي وهي تقود سيارة بسرعة جنونية ومعها حكومتها دون أن تكترث للمنعطفات الحادة وحافة السقوط في الهاوية.
بالطبع سوف لن تغيب عن الذاكرة في سياق استطلاعات الصحافة ذلك الاستطلاع التاريخي الذي أجرته صحيفة شيكاغو ديلي تريبيون إبان انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 1948 عندما تبارى المرشحان هاري ترومان وخصمه توماس ديوي ويومها خرجت الصحيفة المذكورة بنتيجة نشرتها بعنوان عريض مستبقة نتائج الاقتراع “ديوي هزم ترومان” لكن النتائج أظهرت فوز الأخير رئيسا للولايات المتحدة ويومها حمل ترومان الصحيفة مشيرا إلى عنوانها بسخرية المنتصر، وتبقى تلك اللقطة علامة فارقة.
الصحافة وقد فشلت في هذه الحادثة في قراءة ما يقرره الرأي العام لا يعني أنها تخفق في كل مرة ولا تدق الناقوس أمام أصحاب القرار إلى أين تسير بالمجتمع سياساتهم، بل هي مهمة حتمية لصحافة تواكب الرأي العام وهو هدفها في النهاية.
يعلق الباحثان جي دلون وتوماس مان من معهد بروكنز على الظاهرة تحت عنوان ملفت للنظر يذكرنا بفيلم ذائع الصيت للمخرج الممثل كلينت ايستوود والعنوان هو”الاستفتاء والرأي العام: الجيد والسيء والقبيح” ويخلصان إلى نتيجة مفادها أن على الطرفين: الجمهور وصانعي القرار أن يثقا بنتائج مثل تلك الاستطلاعات مع التحقق منها بقدر الثقة بها.
الباحثان وفي استنتاج آخر يشيران إلى حساسية صنّاع القرار السياسي مما تخرج به تلك الاستطلاعات، خاصة إذا كانت لا تتوافق مع اندفاع الساسة ويضربان مثلا بحرب العراق، إذ لم يكترث الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش لأي نتائج لاستطلاعات الرأي وبقي متشبثا بفكرة الاجتياح والاحتلال وإسقاط النظام العراقي مهما كانت النتائج، وها هي النتائج كما نرى ونسمع ونعيش منذ خمسة عشر عاما.
استطلاعات الصحافة وإنجازها بشكل منتظم صار تقليدا شبه ثابت لدى الكثير من الصحف، استطلاعات غير ملزمة لمن يهمهم الأمر، لكنها استطلاعات ستحقق فائدة عظيمة إنها يمكن أن تتوسع لتشمل شرائح أوسع للوصول إلى حقيقة الرأي العام.